لا مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك، ولا قطعة بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك

0
1055

قلت هذا سؤال عن بحث مقدر ؛كأن قائلاً قال له هل بيننا وبينه مسافة حتى يتحقق سير السائرين إليه؟؟ فقال لا مسافة بينك وبينه إلا حجاب النفس الكثيفة وعلائق القلب الكونية، فخرق عوائدها وقطع شهواتها وقطع العلائق والعوائق هو السير إلى الله. فمن خرق عوائد نفسه، زالت عنه الحجب الظلمانية. ومن قطع علائق القلب، فاضت عليه العلوم الربانية ، وأشرفت عليه الشموس العرفانية. وهذا هو الوصول؛ فلا مسافة بينك وبينه حسية حتى تطويها رحلنك، ولا قطعة بينك وبينه أي لا حاجز بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك، قال تعالى:

” ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد”
فما حال بيننا وبينه إلا توهم وجود نفوسنا! فلو غبنا عنها، لوجدنا أنفسنا في الحضرة. ولا يمكن الغيبة عنها إلا بموتها وموتها في مخالفة عوائدها. قال الشيخ أبو مدين من لم يمت، لم ير الحق. وقال الشيخ أبو العباس المرسي -رضي الله عنه- لا دخول على الله إلا من بابين: إما بالفناء الأكبر؛ الذي هو الموت الطبيعي. أو بافناء الأصغر ؛ الذي تعنيه هذه الطائفة وقال بعضهم لا يدخل على الله حتى يموت أربع موتان الموت الأحمر وهو مخالفة النفس، والموت الأسود وهو احتمال الأذى من الخلق والموت الأبيض وهو الجوع، والموت الأخضر وهو لبس المرقعات.

قال الشطبي – رضي الله عنه – “واعلم أن طريق الحق تعالى ليس فيها مفازة ولا متاهة بل هي منازل وأحوال قد جعل الله لجميعها أعواناً وأنصاراً وهو سبحانه يصدق وعده وينصر عبده ويهزم الأحزاب وحده وإنما المفاوز والمسافات في الركون إلى المألوفات واتباع العادات وفي مسامحة النفس والوقوف مع الحس والحدس كما قال صاحب المباحث الأصلية
وإنما القوم مسـافـرون ::: لحضرة الحق وظاعنون
فافتقروا فيها إلى دلـيل ::: :::ذي بصر بالسير والمقيل
قد سلك الطريق ثم عـاد ::: ليخبر القوم بما استفـاد

من كتاب إيقاظ الهمم في شرح الحكم – ابن عجيبة