قد قال أبو نواس في ممدوحه
تغطيت عن دهري بظل جناحه ** فعيني ترى دهري وليس يراني
فلو تسأل الأيام عني ما درت ** وأين مكاني ما عرفن مكاني
فكان هذا مشرباً عندهم في حق أهل كهف الإيواء من الأصفياء الأخفياء رضي الله عنهم، وهو واضح
وقال أيضاً في الخمريات
إذا العشرون من شعبان ولّت **فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار ** فقد ضاق الزمان على الصغار
فصار عندهم موعظة في الإكثار من العمل الصالح والتشمير للتزود للمعاد، ولا سيما عند إيناس قرب الأجل، وخشية فوات الأمل. وقال أيضاً:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ** وداوني بالتي كانت هي الداء
فصارت مشرباً للمحبين أهل الشوق والذوق، رضي الله عنهم.
وفي مناقب الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، أنه في مسيره إلى المشرق، وكان في محفّته، فكان فتيان ذات يوم يمشيان تحته في ظلها ثم جعلا يتحدثان، فقال أحدهما ” للآخر ” : يا فلان مالي أرى فلاناً يسيء إليك وأنت تتحمل منه؟ فقال له: والله ما كان ذلك مني إلاّ لأنه من بلدي فكنت كما قال القائل
رأى المجنون في البيداء كلباً ** فجلله من الإحسان ذيلا
فلاموه على ما كان منه ** وقالوا: لِمْ أنلت الكلب نيلا
فقال: دعوا الملام فإن عيني *** رأته مرة في حي ليلى
فسمعه الشيخ فتواجد وجعل يقول: فقال: دعوا الملام….. البيت.
ويكرره ثم خلع غفارته ورمى بها إلى الفتى المنشد فقال له: أنت أولى بها يا بني.
(المحاضرات في اللغة والأدب) اليوسي