دستور المريد

0
1212

الحمد لله وكغى وسلام على عباده الذين اصطفى خصوصا افضلهم سيدنا وحبيبنا محمد المصطفي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى جعلني الله وإياكم منهم

وبعد فاني أقدم اليكم دستور المريدين وما ادراك ما دستور المريدين؟ قصيدة : “ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا” لسيدنا أبي مدين الغوث و”شرحها” لسيدنا ابن عطاء الله السكندري قدس الله سرهما آمين

قال رحمه الله تعالى:

مـا لـذة الـعيش إلا صحبة الفقرا ** ** هم السلاطين و السادات والأمرا
فاصحبهموا وتأدب في مجالسهم ** ** وخــل حـظـك مـهما قـدموك ورا
واستغنم الوقت واحضر دائما معهم ** ** واعلم بأن الرضا يختص من حضرا
ولازم الـصـمت إلا إن سـئلت فـقل ** ** لا علم عندي وكن بالجهل مستترا
ولا تَرَ العيب إلا فيك معتقداً ** ** عـيباً بـدا بـيِّناً لـكنه استترا
وحـط رأسك واستغفر بلا سبب ** ** وقف على قدم الإنصاف معتذرا
إن بــدا مـنك عـيب فـاعتذر وأقـم ** ** وجه اعتذارك عما فيك منك جرى
وقـل عـبيدكموا أولى بصفحكموا ** ** فـسامحوا وخـذوا بـالرفق يا فقرا
هـم بـالتفضل أولى وهو شيمتهم ** ** فـلا تـخف دركـا مـنهم ولا ضررا
وبـالـتغني عـلـى الإخـوان جد أبداً ** ** حساً ومعنى وغض الطرف إن عثرا
وراقب الشيخ في أحواله فعسى ** ** يـرى عـليك مـن استحسانه أثرا
وقَــدِّمِ الـجِدِّ وانـهض عـند خـدمته ** ** عساه يرضى وحاذر أن تكن ضجرا
فـفي رضـاه رضـا الـباري وطـاعته ** ** يـرضى عـليك فـكن مـن تركه حذرا
واعـلم بـأن طـريق الـقوم دارسـة ** ** وحال من يدعيها اليوم كيف ترى 
مـتـى أراهــم وأنـى لـي بـرؤيتهم ** ** أو تسمع الأذن مني عنهموا خبرا 
مـن لـي وأنـى لمثلي أن يزاحمهم ** ** عـلـى مــوارد لـم آلـف بـها كـدرا 
أحــبـهـم وأداريــهــم وأوثــرهــم ** ** بـمـهجتي وخـصوصا مـنهم نـفرا
قوم كرام الســجايا حيــث ما جلسـوا ** ** ** يبـقى المكـــان على آثارهم عـطرا
يهـدي التصوف من أخلاقهم طرفـــا ** ** ** حسـن التألف منهم راقني نظـــــرا
هم أهل ودي وأحبابي الذين همــــوا ** ** ** ممـــن يجـر ذيول العـز مفتخــــرا
لا زال شمـلي بهم في الله مجــتمـعـا ** ** ** وذنبنــا فيــه مغــفورا ومغــــــتفرا
ثم الصلاة عــلى المخـــتار سيدنـــــا ** ** ** محمــد خيـــر من أوفى ومن نذرا

وقال الشيخ تاج الدين أبو الفضل أحمد ابن محمد بن عبدالكريم بن عطاءالله السكندري رضي الله عنه ونفعنا به في شرح هذه القصيدة الفذة نفسنا الله بها: 

بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله المنفرد بالخلق والتدبير، الواحد في الحكم والتقدير، الملك الذي ليس له في مُلكه وزير، المالك الذي لا يخرج عن مُلكه صغير ولا كبير، المتقدس في كمال وصفه عن الشبيه والنظير، المنزَّه في كمال ذاته عن التمثيل والتصوير، العليم الذي لا يخفى عليه ما في الضمير، { ألاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرْ } العَالِم الذي أحاط عِلمه بمَبادِئ الأمور ونهاياتها، السميع الذي فضل في سمعه بين ظاهر الأصوات وخفاياها، الرازق وهو المُنعم على الخليقة بإيصال أقواتها القيوم المتكفل بها في جميع حالاتها، الوهاب وهو الذي منَّ على النفوس بوجود حياتها، القدير وهو المعيد لها بعد وفاتها، الحسيب وهو المُجازي لها يوم قدومها عليه بحسناتها وسيئاتها، فسبحانه من إله مَنَّ على العباد بالجُودِ قبل الوُجود، وقام بهم بأرزاقهم على كلتا حالاتهم من إقرار وجحود، ومَدَّ كل مـوجودٍ بوجودِ عطائِهِ، وحفظ وجود العالم بإمداد بقائه، وظهر بحكمته في أرضه وقدره في سمائه. 
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبدٍ مفوِّضٍ لقضائه ومسلِّمٍ له في حُكمِهِ وإمضائِهِ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المفَضَّل على جميع أنبيائه، المخصوص بجزيل فضله وعطائه، الفاتح الخاتم وليس ذلك لسواه، الشافع لكل العباد حين يجمعهم الحق لِفصلِ قضائه. 
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المستمسكيـن بولائه، وسلم تسليما كثيــراً . 
اعلم يا أخي جعلك الله من أهل حُــبِّه، وأتحفك بوجود قربه، وأذاقك من شراب أهل وُدِّهِ، وأمِنكَ بدوام وصْلتِهِ من إعراضه وصَدِّهِ، ووصَلك بعباده الذين خَصَّهم بمراسلاته، وجَبَرَ كسرَ قلوبهم لما علموا أنه لا تدركه الأبصار لنور تجلياته، وفتح لهم رياض القرب وهبَّ منها على قلوبهم واردات نفحاته، أشهدهُم سابقَ تدبيرِهِ فيهم فسلمُوا إليه القياد وكشَفَ عن خفي لطفه في منعه فتركوا المنازعة والعناد، فهم مستسلمون إليه، ومتوكـلون عليه . 
أما بعد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يُحشَر المَرءُ عَِلى دِينِ خَلِيلِهِ فليَنظُر أحُدُكم مَن يُخَالِل ) . فإذا علمت أيها الأخ الشقيق، فلا تخالل إلا من ينهضك حالهُ، ويَدُلك على الله مقالهُ، وذلك هو الفقير المتجرِّد عن السِّوى، المقبل على المولى، فليست اللذة إلا مخاللته، ولا السعادة إلا خدمته ومصاحبته، فلذلك قال الشيخ العارف المتمكن أبو مدين رضي الله تعالى عنه. 
( مـا لـذة الـعيش إلا صحبة الفقرا ** ** هم السلاطين و السادات والأمرا ) 
أي ما لذة عَيشِ السالك في طريق مولاه إلا صحبة الفقراء . 
والفقراء جمع فقير، والفقير هو المتجرد عن العلائق، المعرض عن العوائق، لم يبق له قبلة ولا مقصد إلا الله تعالى، وقد أعرض عن كل شيء سواه، وتحقق بحقيقة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) فمثل هذا مصاحبته تذيقك لذة الطريق، وتريق في جميع فؤادك من شراب القوم أهنى رحيق، ويعرفك الطريق، ويقطع لك العقاب ويزيل عن قلبك التعويق، وينهضك بهمَّـتِهِ ويرفعك إلى أعلى الدرجات، ومن كان كذلك فهو السلطان على الحقيقة، والسيد على أهل الطريقة، والأمير على أهل البصيرة . 
فلا تخالف أيها السالك طريقه، واجتهد أيها السالك المُجِدُّ في تحصيل هذا الرفيق، وأصحبه وتأدب في مجالسه، ويزيل عنك ببركة صحبته كل تعويق . 
كما قال رضي الله تعالى عنه : 
( فاصحبهموا وتأدب في مجالسهم ** ** وخــل حـظـك مـهما قـدموك ورا ) 
أي اصحب الفقراء، وتأدب معهم في مجالستهم فإن الصحبة شبح، والأدب روحها، فإذا اجتمع لك بين الشبح والروح حُزتَ فائدة صحبته، وإلا كانت صحبتك ميتة فأي فائدة ترجوها من الميت. 
ومن أهم آداب الصحبة أن تخلف حظوظك وراءك ولا تكن همتك مصروفة إلا لإمتثال أوامرهم فعند ذلك يشكر مسعاك، فإذا تخلقت بذلك فبادر واستغنم الحضور وأخلص في ذلك ترفع درجتك وتعلو همتك والقصور، كما قال رضي الله عنه : 
( واستغنم الوقت واحضر دائما معهم ** ** واعلم بأن الرضا يختص من حضرا ) 
أي واسـتغنم وقت صحبة الفقراء واحضر دائما معهم بقلبك وقالبك تسري إليك زوائدهم، وتغمرك فوائدهم، وينصح ظاهرك بالتأدب بآدابهم، ويشرق باطنك بالتحلي بأنوارهم، فإن من جالس جانس، فإن جلست مع المحزون حزنت، وإن جلست مع المسرور سُرِرت، وإن جلست مع الغافلين سَرَت إليك الغفلة، فإنهم القوم لا يشقى جليسهم، فكيف يشقى خادمهم ومحبهم وأنيسهم وما أحسن ما قيل : 
لـي سادة من عزهم ** ** أقدامهم فوق الجباه 
إن لم أكن منهم فلي ** ** فـي حبهم عِزٌ وجاه 
واعلم أن هـذا الرضا، وهذا المقام يخص من حضر معهم بالتأدب، وخرج عن نفسه، وتحلى بالذلة والإنكسار، فاخرج عنك إذا حضرت بين أيديهم، وانطرح وانكسِر إذا حللت بناديهم فعند ذلك تذوق لذة الحضور، واستعن على ذلك بملازمة الصَّمت، تشرق لك أنوار الفرح، ويغمرك السرور كما قال رضي الله عنه : 
( ولازم الـصـمت إلا إن سـئلت فـقل ** ** لا علم عندي وكن بالجهل مستترا ) 
الصَّـمت عند أهل الطريقة من لازمه ارتفع بنيانه، وتمَّ غِراسه، وهو نوعان : صمت باللسان وصمت بالجَنان وكلاهما لا بدَّ منه في الطريق فمن صمت قلبه ونطق لسانه نطق بالحكمة، ومن صمت لسانه وصمت قلبه تجلـى له سره، وكلمه ربه، وهذا غاية الصمت وكلام الشيخ قابل لذلك فالزم الصمت أيها السالك إلا إن سُـئـِلت فإن سُـئـِلتَ فارجع إلى أصلِك ووصلك وقل لا علم عندي واسـتتر بالجهل تشرق لك أنوار العلم اللدني، فإنك مهما اعترفت بجهلك ورجعت إلى أصلِك لاحت لك معرفة نفسك، فإذا عرفتها عرفت ربك، كما روي في الحديث { مَن عَرفَ نفسَهُ عَرفَ رَبَّهُ }، “تعليق:هذا ليس بحديث، وإنما هو من كلام يحيى بن معاذ الرازي، وللإمام السيوطي فيه رسالة اسمها: القول الأشبه في من عرف نفسه فقد عرف ربه.اهـ موقع المسلم” وكل ذلك من فوائد الصمت ولزوم آدابه، فاصمـت وتأدب ولازم الباب تكن من أحبابه، وما أحسن ما قيل : 
لا أبرح الباب حتى تصلحوا عوجي ** ** وتـقـبلوني عـلـى عـيبي ونـقصاني 
فـإن رضـيتم فـيا عـزي ويا شرفي ** ** وإن أبـيـتم فـمـن أرجــو لـعصياني 
فانهــض أيها الأخ ـ إلى باب مـولاك بهمَّـة علية، وتحقق بعبـوديتك تشـرق عليك أنواره السنية، كما أشار إلى ذلك الشيخ رضي الله عنه بقوله : 
( ولا تَرَ العيب إلا فيك معتقداً ** ** عـيباً بـدا بـيِّناً لـكنه استترا ) 
أي تحقق بأوصافك من فقـرك وضعفك وعـجزك وذلتك، فإذا تحققت بأوصافك وشَهِدتْ لنفسك عيوباً لكنها مستترة، فعند ذلك تحظى بظهـور أوصاف مولاك فيك، كما قيل ( سُبحانَ مَن سَترَ سِرَّ العُبُودية )، وأفهم من هنا سر معنى قوله تعالى { سُبْحَانَ الذِي أسْرَى بِعَبدِهِ } ولم يَقل برسوله ولا بنبيِّـهِ، أشار إلى ذلك المعنى الرفيع الذي لا ينال إلا من العبودية لذلك قيل : 
لا تدعني إلا بيا عبدها ** ** فـإنه أشـرف أسـمائي 
فانكسِـر – أيها الأخ ـ وانطرح بالطريق ولا تــَرَ لك حالا، ولا مقالا يزل عنك كل تعويق، واستغفر من كل ما يخطر بقلبك في عبوديتك وقـُمْ على قدمِ الاعتراف وأنـصِفْ من نفسـك تبلغ أعـلى درجات المنازل وتغـنى بشـريتك كما قال رضي الله عنه :
( وحـط رأسك واستغفر بلا سبب ** ** وقف على قدم الإنصاف معتذرا ) 
أي تواضع وانكسر، وحُطَّ أشرف ما عندك، وهو رأسك في أخفض ما يكـون وهي الأرض لتحـوز مقام القرب، كما ورد في الحديث{ أقرَبُ ما يَكـُونُ العَبدُ إلى اللهِ تعَالى وَهو سَاجـِد }، لأن قـُرب العبد، بتواضعه وانكساره وخروجه عن أوصاف بشريته، وأشهد نفسك دائماً مُذنباً، ولو لم يظهر عليك سبب الذنب، فإن العبد لا يخلو من تقصير، وقـِف على قدَمِ الإنصاف من ذنوبك خجـلا من سيئاتك وعيوبك، فإن من عامل المخلوق هذه المعاملة أحـبَّهُ ولم يشهد له ذنباً وكانت مساويه عنده محاسن، فكيف إذا عامل بهذه المعاملة بهذه المعاملة صاحبه الحقيقي الذي إذا تحققه ليس له صاحب سواه، كما ورد في الحديث { اللهم أنتَ الصَّاحِبُ في السَّـفر، والخلِيفة فِي الأهلْ والمَال والولَد } . 
فتأهب ـ أيها الأخ ـ لهذه المعاملة مع إخوانك الفقراء، لتصير لك معراجاً تتوصل بها إلى معاملة ربِّ السماء، وتكون مقبولاً عند الخلق والخالق وتصفو لك المعاملة، وتشرق عليك أنوار الحقائق قال رضي الله عنه : 
( إن بــدا مـنك عـيب فـاعتذر وأقـم ** ** وجه اعتذارك عما فيك منك جرى ) 
( وقـل عـبيدكموا أولى بصفحكموا ** ** فـسامحوا وخـذوا بـالرفق يا فقرا ) 
( هـم بـالتفضل أولى وهو شيمتهم ** ** فـلا تـخف دركـا مـنهم ولا ضررا ) 
أي لِيكن شأنك دائماً التواضع والإنكسار وطلب المعـذرة والإستغفار، سواء وقع منك ذنب أو لم يقع، وإن بدا منك عيبٌ أو ذنب فاعترف واستغفر، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وليس الشأن أن لا تذنب، إنما الشأن أن لا تصِرَّ على الذنب كما ورد { أنِينُ المُذنِبينَ عِندَ الله خَيرٌ مِن زَجلُ المُسَبحِين عَجَباً وافتخَارا },”تعليق:هذا ليس بحديث.اهـ موقع المسلم”، ولذلك قلتُ في الحِكَمْ ( ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وقضى عليك بالذنب وكان سبباً للوصول ). ( رُبَّ معصِيةٍ أورثتْ ذلا وانكِسَاراً خير من طاعةِ أورثت عِـزا واستكبَاراً ) . ومع اعترافك واستغفارك أقـِم وجه اعتذارك عما جرى منك فيكون ذلك مُمْحِياً للذنب وأدخل في القبول . 
وذُلَّ وتواضَع وانكسِر وقل عبيدكم أولى بصفحِكُم لأن العبد ليس له إلا باب مولاه وما أحسن ما قيل : 
ألـقيت فـي بـابكم عـناني ** ** ولـــم أبــال بـمـا عـنـاني 
فزال قبضي وزاد بسطي ** ** وانـقلب الـخوف بالأماني 
فسامحـوا عُبَيـدُكم يا فقرا، وخذوا بالرفق وعاملوني به، فإني عبد فقير لا يصلحني إلا المعاملة بالرفق والفضل، ولا اعتماد لي إلا على الفضل ـ لا بحـولي و لا بقوتي، مذهبي العجز والسلام. 
ثم قال رضي الله تعالى عنه ـ إنهم أولى بهذا الشيء، وهو شِيمتهم ولم يزالوا متفضلين، وهذه معاملتهم مع أصحابهم ـ وهي سجيتهم وكيف لا تكون سجيتهم وهم متخلقون بأخلاق مولاهم، كما ورد {تخَـلقوا بأخْـلاقِ الله} . 
فلا تخف منهم ضـررا ـ أيها السالك المصاحب لهم ـ وتمسَّك بأذيَالهم {فإنَّهُمُ القومُ لا يَشقَى جَلِيسَهُم}، فإذا عرفت ذلك أيها السالك ـ فتخلـق بأخلاقهم الكريمة، وجُد بالتغـني عن الأخوان، وغض الطرف عن عثرتهم تكن آخذ من أوصافهم أحسن هيئة . قال رضي الله عنه : 
( وبـالـتغني عـلـى الإخـوان جـد أبـداً ** ** حساً ومعنى وغض الطرف إن عثرا) 
أي: وتكـرَّم على إخوانك، وجُد عليهم أبدا، أما في الحِسِّ فببَذل الأمـوال، وأما في المَعنى فبصرف همَّـة الأحوال، ولا تبخل عليهم بشيء يمكنك إيصاله إليهم، فإن السماحة لبُّ الطريق، ومن تخلق بها فقد زال عن قلبه كل تعويق . 
قال الشيخ عبد القادر رضي الله عنه: إخواني، ما وصَلتُ إلى الله تعالى بقيام ليل، ولا صيام نهار، ولا دراسة علم، ولكن وصلت إلى الله بالكرم والتواضع وسلامة الصَّدر . 
فدَلَّ كلام الشيخ رضي الله عنه، أن الكرم هو الأساس، وأن التواضع يتم للسالك به الغراس، فإذا أتمَّ له هذان سلم صدره من العلائق، وزال عن طريقه كل عائق، ولذلك ورد في الحديث { إنَّ في الجنة لغُرَفاً، يُرى ظاهِرها مِن باطِنها، وباطنُها من ظاهِرها، أعدَّها الله تعالى لِمَنْ ألانَ الكَلام، وأطعَمَ الطعام وتابَعَ القِيام وصَلى بالليل والناسُ نِيام } . 
فتأمـل هـذا الحديث ـ يا أخي ـ حيث بدأ صلى الله عليه وسلم بإلانة الكـلام وهو إشارة إلى التواضع، ثم ثنى بإطعام الطعام، وهو إشارة إلى الكرم، ثم أتى بعد ذلك بالصَّلاة والصِّيام كما أشار إليه الشيخ عبدالقادر، فانهض أخي إلى هذه المآثر وبادر واجمع معها حُسْنَ مكارم الأخلاق، وغُضَّ الطرف عن مساوئ الإخوان إن وقفت منهم على عثرة ولا تشهد إلا محاسنهم، كما قال رضي الله عنه في حكمـه الفتوحية ( رؤية محاسن العبيد والغيبة عن مساويهم ذلك شيء من كمال التوحيد ). 
كما قيل : 
إذا ما رأيت الله في الكل فاعلاً ** ** رأيــت جـميع الـكائنات مـلاحا 
فإذا تخلـقت ـ أيها الأخ ـ بهـذه الخصال الشريفة، فقد تأهـلتَ للإقبال على الشيخ فانهض إلى عتبة بابه، وراقبه بهمَّـة منيفة، كما أشار إلى ذلك الشيخ رضي الله عنه بقوله : 
( وراقب الشيخ في أحواله فعسى ** ** يـرى عـليك مـن استحسانه أثرا ) 
أي: إذا تخـلقـتَ بما تقـدم من الآداب، ووصلت بافتقارك وانكسارك إلى الشيخ، وتمسـَّكت بأثر تلك الأعتاب فراقب أحواله، واجتهد في حصول مراضيه، وانكسِر واخضع له في كل حين، فإنه الترياق والشفاء، وإن قلوب المشايخ ترياق الطريق، ومن سَعِد بذلك تمَّ له المطلوب وتخلص من كل تعويق، واجتهد ـ أيها الأخ ـ في مشاهدة هذا المعنى فعسى يرى عليك من استحسانه لحالك أثراً، قال بعضهم : من أشد الحرمان أن تجتمـع مع أولياء الله تعالى ولا تُرزق القبول منهم، وما ذلك إلا لسوء الأدب منك، وإلا فـلا بُخـل من جانبهم ولا نقص من جهتهم . كما قلتُ في الحكم : 
ما الشأن وجود الطلب، إنما الشأن أن تورث حُسن الأدب . 
زار بعض السلاطين ضريح أبي يزيد رضي الله عنه وقال هل هنا أحد ممن اجتمع بأبي يزيد ؟ فأشير إلى شيخ كبير في السِّن كان حاضراً هناك، فقال له : هل سمعت شيئا من كلامه ؟ قال : نعم، قال ( من زارني لا تحرقه النار )، فاستغرب السلطان ذلك الكلام . فقال: كيف يقول أبو يزيد ذلك وأبو جهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وهـو تحرقه النار . فقال ذلك الشيخ للسطان: أبو جهل لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، إنما رأى يتيم أبي طالب، ولو رآه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم تحرقه النار . ففهم السلطان كلامه وأعجبه هذا الجواب منه . أي إنه لم يره بالتعظيم والإكرام واعتقاد أنه رسول الله، ولو رآه بهذا المعنى لم تحرقه النار، ولكنه رآه باحتقار واعتقاد أنه يتيم أبي طالب، فلم تنفعه تلك الرؤية . وأنت يا أخي، لو اجتمعت بقـُطبِ الوقت ولم تتأدب لم تنفعك تلك الرؤية، بل كانت مضرَّتها عليك أكثر من منفعتها . فتأدب بين يدي الشيخ، واجتهد أن تسلك أحسن المسالك، وخذ ما عرفت بجـد واجتهاد، وانهض في خدمته، واخلص في ذلك لتسود مع من ساد، كما قال : 
( وقَــدِّمِ الـجِدِّ وانـهض عـند خـدمته ** ** عساه يرضى وحاذر أن تكن ضجرا ) 
( فـفي رضـاه رضـا الـباري وطـاعته ** ** يـرضى عـليك فـكن مـن تركه حذرا ) 
أي انهض في خـدمة الشيخ بالجد فعساك تحوز رضاه فتسُود مع من ساد، واحذر أن تضجر، ففي الضَّجر الفساد . ولازم أعتاب بابه في الصباح والمساء لتحـوز منه الوداد . وما أحسن ما قيل: 
اصبر على مضض الإدلاج في السحر ** ** ولــلـنـذور عــلـى الـطـاعـات بـالـبـكر 
وقـــل مـــن جـــدَّ فـــي أمــر يـؤمـله ** ** مـا اسـتصحب الـصبر إلا فـاز بـالظفر 
فإن ظفرت ـ أيها السالك ـ برضاه رضي الله تعالى عنك ونلت فوق ما تمنيت . 
فاستقم في رضاء شيخك وطاعته تظفر بطاعة مولاك ورضاه، وتفوز بجزيل كرامته . 
وعُضَّ بالنواجذ على خِـدمة الشيخ إن ظفرت بالوصـول إليه، واعلم أن السعادة قد شملتك من جميع جهاتك، إذا عرفك الله تعالى به، وأطلعك تعالى عليه فإن الظفر به . 
لكن إذا ساعدتك العناية ظفرتَ وشمَمْتَ من نفحة طيبة ما يفوق المِسك الأذفر، ولذلك قال رضي الله تعالى عنه وعنا به، آمين : 
( واعـلم بـأن طـريق الـقوم دارسـة ** ** وحال من يدعيها اليوم كيف ترى ) 
( مـتـى أراهــم وأنـى لـي بـرؤيتهم ** ** أو تسمع الأذن مني عنهموا خبرا ) 
( مـن لـي وأنـى لمثلي أن يزاحمهم ** ** عـلـى مــوارد لـم آلـف بـها كـدرا ) 
( أحــبـهـم وأداريــهــم وأوثــرهــم ** ** بـمـهجتي وخـصوصا مـنهم نـفرا ) 
شرع الشيخ رضي الله تعالى عنه يشوق السالك إلى طريق أهله، ويخبرهم أن طريقهم دارسة، وحال من يدعيها اليوم كما ترى في الفترة حتى كادت الهمم تكون من الطلب آيسة، وهكذا شأن طريق القوم لعزتها، كأنها في عصر مفقودة، ولا يظفر بها إلا الفرد بعد الفرد، وهذه سنة معهودة، وذلك أن الجوهر النفيس لا يزال عزيز الوجود، يكاد لعزته يُحكَم بأنه ليس موجود، والطريق أهلها مخفية في العالم خفاء ليلة القدر في شهر رمضان، وخفاء ساعة الجمعة في يومها حتى يجتهـد الطالب في طلبه بقدر الإمكان، فإن من جـَـدَّ وَجَـدَ، ومن قرع الباب ولـَـج . 
شرع الشيخ رضي الله تعالى عنه يشوق السالك إلى طريق أهله ، ويخبرهم أن طريقهم دارسة ، وحال من يدعيها اليوم كما ترى في الفترة حتى كادت الهمم تكون من الطلب آيسة ، وهكذا شأن طريق القوم لعزتها ، كأنها في عصر مفقودة ، ولا يظفر بها إلا الفرد بعد الفرد ، وهذه سنة معهودة ، وذلك أن الجوهر النفيس لا يزال عزيز الوجود ، يكاد لعزته يُحكَم بأنه ليس موجود ، والطريق أهلها مخفية في العالم خفاء ليلة القدر في شهر رمضان ، وخفاء ساعة الجمعة في يومها حتى يجتهـد الطالب في طلبه بقدر الإمكان ، فإن من جـَـدَّ وَجَـدَ ، ومن قرع الباب ولـَـجَّ وَلـَجَ . 
قلتُ : بعد أن ذكر لا بد من الشيخ في الطريق على سبيل السؤال والجواب، كيف تأمرنا بذلك وقد قيل إن وجود الشيخ كالكبريت الأحمر وكالعنقاء ، من ذا الذي بوجودها يظفر ، كيف تأمرني بتحصيلِ مَن هذا شأنُهُ ، فقال : لو صدقتَ في الطلب وكنتَ في طلبه كالطفل والظمآن لا يقرُّ لهم قرار ولا تسكن لوعتهم حتى يظفروا بمقصودهم ، فأشار الشيخ رضي الله عنه إلى أن الشيخ موجود ، وكيف لا يكون موجودا وعمارة العالم بأمثاله ، فإن العالَمَ شخصٌ والأولياء روحه ، فما دام العالَم مـوجوداً لا بدَّ من وجودهم ، لكن لشدَّة خفائهم وعدم ظهورهم حـُـكِم بفقدانهم . 
فاجتهـد واصدق في الطلب تجـدِ المطلوب ، واستعِن على ذلك الطلب بمَدَدِ علام الغيوب ، فإن الظفر لا يحصـل إلا بمجـَّرد فضله . وإذا أوصلك إلى الشيخ فقد أوصلك إليه كما قلت في الحكم ( سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه ) . 
ثم إن الشيخ رضي الله عنه ، كما ذكر عزة الطريق ، وفقدان أهلها شرع يتأسف على الإجتماع بهم ويتمناه ، ويستبعـد من نفسه حصول ذلك ، والتشرف بلقائه تواضعا منه وانكساراً وهضماً لنفسه واحتقاراً . وهذا شأن العارف لنفسه بنفسه ، الممتلىء من معرفة ربه ، المتحلي بواردات قدسه ، لأنه لا يرى لنفسه حالا ولا مقالا ، بل يرى نفسه أقل من كل شيء وهو هو النظر التام ، كما قيل : 
إذا زاد عـلم المــرء زاد تواضعــا ** وإن زاد جـهل المـرء زاد ترفعــا 
وفي الغصن عن حمل الثمار مناله ** فإن يَعـْرُ من حمـل الثمار تمنـُّـعـا 
فانظر إلى الشيخ أبي مدين ورفعته في الطريق مع أنه وصل من تربيته اثنا عشر ألف مريد ، وانظر إلى هذا التنزل منه والتدلي بأغصان شجرة معرفته إلى أرض الخضوع والانكسار حتى أنه لم ير نفسه أهلا للاجتماع بأهل هـذه الطريقة ، ويزيده هذا الانخفاض من الارتفاع ، لأن الشجرة لا يزيدها انخفاضها في عروقها إلا ارتفاعا في رأسها . 
فتواضع في الطريق ، وخذ هذا الأصل العظيم من هذا العارف المتمكـن يزل عنك كل تعويق . 
ثم قال رضي الله عنه ـ بعد ذلك ( أحبهم إلى آخره ) ، أي وإن لم أكن أنا منهم فإني أحبهم ، ومن أحب قوما فهو منهم ، كما ورد في الحديث { المَرءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ } . كما قيل : 
** ** أحب الصالحين ولســـــت منهم ** لعـلي أن أنا بهـــــم شــفــــاعـة 
** ** وأكـــره من بضاعته المعاصي ** وإن كنا ســــواء في البضاعـــة 
وهذه خصال القوم وصفاتهم ، ولذلك ارتفعت رتبهم ، وجزلت عطيتهم كما وصفهم رضي الله عنه بقوله : 
( قوم كرام الســجايا حيــث ما جلسـوا ** ** ** يبـقى المكـــان على آثارهم عـطرا ) 
( يهـدي التصوف من أخلاقهم طرفـــا ** ** ** حسـن التألف منهم راقني نظـــــرا ) 
( هم أهل ودي وأحبابي الذين همــــوا ** ** ** ممـــن يجـر ذيول العـز مفتخــــرا ) 
( لا زال شمـلي بهم في الله مجــتمـعـا ** ** ** وذنبنــا فيــه مغــفورا ومغــــــتفرا ) 
( ثم الصلاة عــلى المخـــتار سيدنـــــا ** ** ** محمــد خيـــر من أوفى ومن نذرا ) 
أي قوم سجاياهم كريمة وهمتهم عظيمة ، حيثما جلسوا تبقى آثار نفحات عطرهم في المكان ظاهرة ، وأينما توجهـوا سطع شمس معارفهم فتشرق القلوب ، وتصلح بهم الدنيا والآخـرة ، يهدي التصوف للسالك المشتاق من أخلاقهم طرقا مجيدة تدل على الطريق ويسـير في سلوكه سيرة حميدة ، فلذلك جمعوا أحسن تأليف ، حتى راق كل ناظر وجَـدُّوا في أكمل معنى لطيف ، حتى اكتحلت بكحل إثمـدهم أنوار البصائر . 
وكذلك قال الشيخ رضي الله عنه بعد ذلك (هم أهل ودي وأحبابي ) إلى آخره ، فإن الشخص لا يحب إلا من جانسه ولا يَوَد إلا من كان بينه وبينه مؤانسة . 
وفي هذا الكلام إشارة إلى أنه رضِي الله عنه من جملتهم وطينته من طينتهم ، وما تقدم منه في التواضع والإنكسار دليل على التحقيق في هذا المجد والفخار كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يسلك بنا أحسن المسالك ، ثم دعا وسأل أنه لا يزال شمله بهم في الله تعالى ، وذنبه مغفورا ، ونحن نسأله أيضا إتمام الصلاة والسلام على سيدنا محمد المختار خير من أوفى ومن نذر ، ومن أكرم الجار وعلى آله وصحبه السادة الأبرار والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وهذا الرقم لمن تعـطش ليله في معاني هذه الأبيات ، وإلا فنحن معترفون بالعجز والتقصير عن معانيها وإنما الأعمال بالنيات ، والله تبارك وتعالى أعلم .

  
ولله در الشيخ الاكبر سيدي محي الدين ابن عربي الحاتمي طيب الله ثراه حيث خمس القصيدة تخميسا رائعا وقال:

يَا طالِباً مِن لَذاذاتِ الدُّنَا وَطَرا 

إذا أردتَّ جميع الخَير فيكَ يُرى 

المُستشارُ أمينٌ فاسمَع الخَبرا 

( مالِذَّةُ العَيشِ إلا صُحبة الفُقَرا 

هُم السَّلاطِينُ والسَّاداتُ والأمَرا ) 

قومٌ رَضُوا بيَسِيرٍ مِن مَلابسِهم 

والقُوتِ لا تخطُر الدنيا بهاجِسِهم 

صُدورهُم خالِياتٍ مِن وسَاوِسِهم 

( فاصْحِبهُموا وتَأدَّبْ في مَجالِسِهم 

وخَلِّ حَظَّكَ مهْمَا قَدَّمُوكَ وَرَا ) 

اسْلُك طريقَهمُ إنْ كُنتَ تابِعهُم 

واتْرُك دعَاويكَ واحْذَرْ أن تراجعهم 

فِيما يُريدونه واقصُد منافِعهُم 

(واستغْنِم الوقتَ واحضُر دائماً معهم 

واعلم بأنَّ الرِّضا يخْتَصُّ من حَضَرا ) 

كُنْ راضِياً بهِمُ تَسْمُ بهم وتَصِلْ 

إن أثبتُوكَ أقِمْ أو إنْ مَحَوكَ فَزُل 

وإنْ أجاعوكَ جُعْ و إنْ أطعَمُوك فكُلْ 

( ولازِمِ الصَّمتَ إلا إن سُئِلتَ فقُلْ 

لا عِلْمَ عِندي وكنْ بالجَهل مَستتِرا ) 

ولا تكُن لعُيوبِ الناس مُنتقِدا 

وإن يَكن ظاهِرا بين الوجود بدا 

وانظُرْ بعَينِ كَمَالٍ لا تُعِبْ أحَدا 

( ولا تَرَ العَيبَ إلا فيكَ مُعتقِدا 

عَيباً بدا بيناً لكنه اسْتترا ) 

تنلْ بذلِكَ ما ترجُوه من أدبٍ 

والنفسُ ذَلِّلْ لهم ذلاً بلا ريب 

بلْ كلُّ ذلك ذُلٌّ نابَ عن أدبٍ 

( وحُطَّ رَأسكَ واستغفِر بلا سبب 

وقمْ على قدَمِ الإنصَافِ مُعتذِرا ) 

إن شئتَ منهم بريْقاً للطريق تشمْ 

عن كلِّ ما يَكرهوهُ مِن فِعالكَ ذُم 

والنفسُ منكَ على حُسنِ الفِعالِ أدِم 

( وإنْ بَدا منكَ عَيبٌ فاعترفْ وأقِمْ 

وَجْهَ اعتذاركَ عمَّا فيكَ مِنكَ جَرى ) 

لهُم تملقْ وقلْ داوُوُا بصُلحِكُم 

بمرْهَمِ العَفوِ مِنكمْ داء جرحِكمُ 

أنا المُسيءُ هِبُوا لي مَحضَ نِصْحِكمُ 

( وقلْ عُبيدكمُ أولى بصَفحِكمُ 

فسَامِحُوا وخذوا بالرِّفقِ يا فقرا ) 

لا تخشَ مِنهم إذا أذنَبتَ هِمَّتهُم 

أسنى وأعظَمُ أن تردِيكَ عِشرَتهُم 

ليسوا جَبَابرة تؤذِيكَ سَطوَتهُم 

( هُم بالتفضلِ أولى وهو شِيمَتهُم 

فلا تخفْ دَرَكاً مِنهم ولا ضَرَرا ) 

إذا أردتَّ بهم تسْلُكْ طَريقَ هُدى 

كنْ في الذي يَطلبُوه مِنكَ مُجتهِدا 

في نور يومِكَ واحذَرْ أن تقول غداً 

( وبالتغنِّي عَلى الإخوان جُدْ أبدا 

حِساً ومَعنىً وغضَّ الطَّرفَ إن عَثرَا ) 

أصدِقهُم الحَق لا تسْتعمِل الدنَسَا 

لأنهم أهْلُ صِدقٍ سادَةٌ رُؤَسَا 

واسمَح لِكلِّ امْرئٍ مِنهم إليكَ أسَا 

( ورَاقِبِ الشيخَ فِي أحوالِهِ فعَسى 

يرى عَليكَ مِن استِحْسَانِهِ أثرَا ) 

وأسْألهُ دَعوَتهُ تحْظَ بدَعوَتهِ 

تنَلْ بذَلكَ مَا ترجُوا ببَركَتهِ 

وحسِّنْ الظنَّ واعْرفْ حَقَّ حرمَتهِ 

( وقدِّمِ الجِّدَّ وانهَضْ عندَ خِدْمَتِهِ 

عَسَاهُ يَرضَى وَحَاذِرْ أن تكنْ ضَجِرا ) 

واحْفظْ وصِيتهُ زِدْ مِن رِعَايَتِهِ 

ولبِّهِ إنْ دَعَا فوراً لِسَاعَتهِ 

وغضَّ صَوتكَ بالنجْوى لِطاعَتِهِ 

( ففِي رضاهُ رِضَا الباري وطَاعَتِهِ 

يَرضَى عليكَ فكنْ مِن تركِهَا حَذِرَا ) 

والزَمْ بمَنْ نفسُهُ نفْسٌ مُسَايسَة 

في ذا الزَّمانِ فإنَّ النفسَ آيسة 

منهُم وحِرفتهُم في الناسِ باخِسَة 

( واعلم بأنَّ طريقَ القومِ دَارسَة 

وحَالُ مَنْ يدَّعِيهَا اليومَ كيف ترَى ) 

يَحِقُّ لي إنْ نَأوْا عَني لأٌلفتهِم 

ألازمُ الحزنَ ممَّا بي لِفرقَتهم 

على انقِطاعي عنهُم بَعدَ صُحبتِهم 

( مَتى أراهم وأنى لِي برُؤيتهم 

أو تسمَعُ الأذُنُ مِني عنهُم خبَرَا ) 

تخلفِي مانِعِي مِن أنْ ألائِمهُم 

منهُم أتيتُ فلُمنِي لسْتُ لائِمهم 

يا ربِّ هَبْ لي صلاحاً كي أنَادِمُهم 

( ومَن لِي وأنى لِمثلي أن يزاحِمهم 

على موارِدٍ لمْ آلفْ بها كدَرا ) 

جَلَّتْ عن الوصْفِ أن تحصَى مآثِرهُم 

على البواطِنِ قدْ دَلتْ ظواهِرهُم 

بطَاعةِ الله في الدنيا مفاخرهُم 

( أحِبهم وأُداريهِم وأوثرهم 

بمُهجَتي وخصُوصاً مِنهمْ نفرَا ) 

قومٌ على الخلقِ بالطَّاعاتِ قدْ رُؤِسُوا 

منهُم جَلِيسهُم الآدابَ يَقتَبسُ 

ومَن تخلَّفَ عنهُم حظَّهُ التعِسُ 

( قومٌ كرامُ السَّجايَا حَيثمَا جَلسُوا 

يبقى المكانُ على آثارِهِم عَطِرا ) 

فهم بهِم لا تفارِقهُم وَزِدْ شَغَفا 

وإن تخلَّفتَ عنهُم فانتحِب أسَفا 

عصابةٌ بهمُ يُكسى الفتى شرَفَا 

( يهدِي التصَوفُ مِن أخلاقهِم طرَفا 

حُسْنُ التآلُفِ منهُم رَاقني نظرا ) 

جَرَرتُ بهِم ذَيلُ افتِخَاري فِي الهَوى بهِمُ 

لما رضُوني عُبَيداً فِي الهَوى لَهم 

وحقهم في هواهم لستُ أنسهمُ 

( هُم أهلُ وُدِّي وأحبابي الذينَ همُ 

مِمنْ يَجرُّ ذُيول العِز مُفتخرا ) 

قطَعتُ فِي النظمِ قلبِي فِي الهَوى قطعا

وقد توسلتُ للمَولى بهم طَمعا 

أن يغفِرَ الله لِي والمسلمين معا 

( لا زالَ شَمْلي بهم في الله مُجتمِعا 

وذنبُنا فيهِ مغفورا ومغتفرا ) 

يا كلَّ مَن ضَمَّه النادِي بمَجلِسنا 

ادعُ الإله بهِم يمحو الذنوبَ لنا 

وادعُ لِمنْ خَمّسَ الأصْلَ الذي حَسُنا 

( ثمَّ الصَّلاةُ على المُختارِ سَيدِنا 

مُحَمدِ خيرُ مَن أوفى ومَن نذرَا ) 

اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحقِّ بالحقِّ والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

الفقير محمد المنتقى ساخو التجاني أغناه الله تعالى به آمين