سألني الأخ باي درام عن معنى عين الرحمة قلت:
وفي “جلسة مع جوهرة الكمال بشرح مولانا الشيخ أبي العباس أحمد التجاني رضي الله عنه” تناول الأستاذ الباحث سيدي محمد العراقي الحسني بطريقته المعهودة في تقريب المفاهيم الصوفية وتبسيطها للشباب المتعطش للولوج في رحاب الفهم الصوفي من أيسر الطرق وأقربها للإستيعاب ، يتناول تبسيطا جديدا لفهم جوهرة الكمال فهما دقيقا، مستعينا في ذلك بشرح الشيخ التجاني رضي الله عنه وأرضاه لها مزيلا كل لبس وغموض.
قال الاستاذ جزاه الله عني وعنك ايها السائل عن معنى عين الرحمة خير الجزاء:
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
مقدمـة :
الموضوع بالغ الأهمية من وجوه :
• يتناول ذكرا من الأذكار اللازمة للفقير التجاني التي يتعين على الفقير معرفة معانيها وتذكيره بها المرة بعد المرة.
• يتعرض لمفاهيم صوفية عميقة لا يليق بالفقير التجاني جهلها وهو المنتمي إلى الميدان الصوفي.
• يعنى بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم المتداولة بشكل خاص بين الصوفية.
موضوع صوفي بحث عملي ونظري وتربوي في آن واحد. جلسة لطيفة مع جوهرة الكمال أو بالأصح جلسة تعليمية مع شرح مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه “لجوهرة الكمال في مدح سيد الرجال”. هكذا سماها مولانا الشيخ رضي الله.
“جوهرة الكمال” هي تلك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تميز بها التجانيون لأنها مما تلقاه الشيخ التجاني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي يذكرها التجانيون في عدة حالات ومناسبات منها :
• اثنا عشر مرة في وظيفة اليوم والليلة جماعة. وقد يذكرها المنتسب التجاني أربعا وعشرين مرة في اليوم والليلة إذا التزم بوظيفتين.
• سبع مرات عند النوم لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم في النوم.
• ثلاث مرات عقب العبادة لجبر فقدان الخشوع في العبادات.
• اثنا عشرة مرة لنيل ثواب زيارة الرسل والأنبياء والأولياء.
• خمسا وستين أو ستا وستين مرة لتقوم مقام اللطيف الكبير.
وهناك كيفيات أخرى خاصة ذكرها سندنا سيدي الأحسن البعقيلي رضي الله عنه في الجزء الثاني من الإراءة ص 224 منها :
• مقصد جوهرة الكمال وتسمى الصلاة الغوثية.
• جوهرة الكمال 500 مرة في الليل والنهار لمدة ثلاثة أيام وإلا كمل عشرة أيام ثم يذكر الصلاة الغوثية 313 مرة ثلاث ليال.
• التوسل بجوهرة الكمال سبع مرات بكيفية معينة.
هذا ما تمكنت من إحصائه من استعمالات جوهرة الكمال. ثم إن جوهرة الكمال كذكر لا تذكر إلا على طهارة مائية أي على وضوء وفي مساحة طاهرة تسع ستة أشخاص (متر في متر ونصف) لنيل خاصيتها. فمن لم يذكرها بهذا الشرط لا ينال إلا ثواب ذكر الألفاظ وثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسعد بخواصها الأربعة التي هي :
• المرة الواحدة منها تعدل تسبيح العالم ثلاث مرات.
• من قرأها سبعا فأكثر يحضره روح النبي صلى الله عليه وسلم وأرواح الخلفاء الأربعة ما دام يذكرها.
• من لازمها أزيد من سبع مرات يحبه النبي صلى الله عليه وسلم محبة خاصة ولا يموت حتى يكون من الأولياء.
• من داوم عليها سبعا عند النوم على طهارة كاملة وفراش طاهر يرى النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح الشيخ مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه :
يخبرنا الخليفة سيدي علي حرازم أن الشيخ رضي الله عنه قام بشرح جوهرة الكمال أثناء مقامه بقرية أبي سمغون سنة 1206 هجرية (أي وعمره 56 سنة). وقد أدرج سيدي علي حرازم هذا الشرح في الجزء الثاني من جواهر المعاني تحت عنوان “الفيوضات الرحمانية في شرح عين الرحمة الربانية” في 11 صفحة من ص 261 إلى ص 271 (طبعة الحلبي لسنة 1963 م – 1382 هجرية).
بعد شرح مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه لجوهرة الكمال قام مجموعة من علماء الطريقة بشرحها. منهم الشيخ سيدي عمر الفوتي في كتابه “الرماح” والشيخ سيدي عبيدة بن محمد الصغير صاحب الميزاب في كتاب خاص عنونه “ميدان نيل الفضل والإفضال في شم رائحة جوهرة الكمال” والعلامة سيدي محمد كنون في كتاب خاص عنونه “حل الأقفال لقراء جوهرة الكمال”.
أما العارف بالله سيدي الأحسن البعقيلي فنجده في الجزء الثاني من حاشيته على جواهر المعاني المسماة “الشرب الصافي من الكرم الكافي على جواهر المعاني” يقول “ثم إنه أعني سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه شرح الصلوات الثلاث شرحا لم يترك فيه محلا لتقرير أحد” (ص 192 ج 2).
وقد كنت من قبل اشتغلت بشرح مولانا الشيخ رضي الله عنه ولخصته وتعمقت في فهمه ولم أكن حينه أعده كبحث فلما وقع اختياري على شرح جوهرة الكمال كموضوع للبحث تصفحت الرماح وشرح سيدي عبيدة. أما الأول فوجدته يأخذ كل مادته وألفاظه من الجواهر ويقف عند الجانب اللغوي. وأما الثاني فحال بيني وبين استساغته طبعته الحجرية أولا ثم كثرة استطراداته ورموزه. فلم يزد شرحه إلا إغلاقا للمفاهيم التي أوضحها مولانا الشيخ رضي الله عنه وضوحا تاما. فأدركت حينه حصافة موقف سيدي الأحسن البعقيلي وتقررت لدي قناعة بأن مولانا الشيخ رضي الله عنه يتحدث عن أشياء يدركها ويعرفها. لا تجده قط يقدم لك احتمالات بل يقرر الحقائق بقناعة كاملة بينما غيره يبقى حبيس اللغة والمصطلح ولا يغوص في المضامين والمعاني.
والفرق بين سيدي عمر الفوتي وسيدي عبيدة أن الأول لخص شرح الشيخ أما الثاني فقام بشرح جوهرة الكمال.
وهذا أوان عرضي لشرح مولانا الشيخ. كيف أعرض هذا الشرح ؟
• إما أعرضه كما قدمه مولانا الشيخ متتبعا ألفاظ جوهرة الكمال.
• وإما أعرضه كما فهمته بعدما اتضح لي منهج وأسلوب مولانا الشيخ الفريد البيداغوجي الذي يميز بين الحقائق التي تضمنتها جوهرة الكمال وبين المفاهيم التي يتعين توضيحها وتبسيطها لإدراك هذه الحقائق. فاخترت الكيفية الأخيرة.
“جوهرة الكمال في مدح سيد الرجال” هي إذن مدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والمدح هو عرض لخصائص الممدوح. فما هي خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم الواردة في جوهرة الكمال ؟
عشر خصائص. فهو صلى الله عليه وسلم :
1- المخلوق الأول المقتطع من النور الإلهي أي هو أول من أفاض الله عليه نعمة الإيجاد.
2- المفاض عليه العلم الذي شاء الله أن يقسمه لخلقه.
3- المفاض عليه الرحمة التي شاء الله أن يقسمها لخلقه.
4- المفاض عليه الحق الذي قرره سبحانه في شرعه والذي حكم به على خلقه أمرا ونهيا.
5- المفاض عليه العدل الساري في آثار جميع الأسماء والصفات الإلهية (العدل الفردي والجماعي والإجتماعي والكوني).
6- الصراط بين الحق تعالى وبين الخلق. فلا عبور لأحد إلى حضرة الحق إلا عليه صلى الله عليه وسلم.
7- مظهر ومجلى الذات الإلهية والصفات الإلهية والأسماء الإلهية. فهو الإنسان الكامل والمخلوق الكامل لأنه العبد الكامل العبودية لله عز وجل.
8- المفاض عليه سر الألوهية. فهو الذي أطلعه الله على جملة من الغيوب التي شاء الله أن يطلع عليها خلقه.
9- الذي يصلي الله عليه.
10- ثم أخيرا هو صلى الله عليه وسلم الذي فرق الحق تعالى منه هذه الخصائص التسعة على خلقه. فالخلق أوجدوا بعد وجوده. ومنه أوجدوا. وعلموا من العلم الذي أفيض عليه. ورحموا به. وأدركوا الحق به. إلى آخر الخصائص. فهو صلى الله عليه وسلم بهذا محمد يحمد وجوده الخلائق وله طولبوا بالصلاة عليه بما فيهم الملائكة.
هذه هي الخصائص العشرة التي يمتدح بها التجانيون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكرهم لجوهرة الكمال. وهي منبثة في العشرين فقرة التي تضمها جوهرة الكمال على الشكل التالي ( رقم الخصيصة ثم الفقرة التي تضمها جوهرة الكمال) :
1- اللهم صل وسلم على عين الرحمة الربانية – ونور الأكوان المتكونة الآدمي – ونورك اللامع الذي ملأت به كونك الحائط بأمكنة المكاني – إفاضتك منك إليك.
2- والياقوتة – الحائطة بمركز الفهوم والمعاني عين المعارف – التي تتجلى منها عروش الحقائق. اللهم صل وسلم على عين الرحمة الربانية. – إفاضتك منك إليك.
3- اللهم صل وسلم على عين الرحمة الربانية – البرق الأسطع بمزون الأرباح – الكنز الأعظم – إفاضتك منك إليك.
4- المتحققة – صاحب الحق الرباني – اللهم صل و سلم على عين الحق. إفاضتك منك إليك.
5- اللهم صل وسلم على عين الحق – إفاضتك منك إليك.
6- الأقوم – صراطك التام الأسقم – إفاضتك منك إليك.
7- اللهم صل وسلم على طلعة الحق بالحق – إفاضتك منك إليك.
8- إحاطة النور المطلسم – إفاضتك منك إليك.
9- اللهم صل وسلم – صلى الله عليه – صلاة تعرفنا بها إياه – إفاضتك منك إليك.
10- المالئة لكل متعرض من البحور والأواني – الآدمي – تعرفنا بها إياه – إفاضتك منك إليك.
ولإدراك هذه الخصائص ولتبسيطها للذاكر وللقارئ أتى مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه بالشروح والتوضيحات التالية (16 توضيحا) :
1- عملية إيجاد الله لمخلوقاته تمت في مرحلتين :
• مرحلة أولى : اقتطع الحق سبحانه وتعالى قطعة من النور الإلهي. ثم أبطن في تلك القطعة ما شاء أن يقسمه لخلقه من العلم والرحمة.
• مرحلة ثانية : خلق الله المخلوقات وصار يفيض عليها ما أقره في هذه القطعة من العلم والرحمة (ويسميها الصوفية الحقيقة المحمدية). هذه القطعة النورية هي التي تشكلت من بعد في الصورة الآدمية (وهي قولنا الآدمي). وبهذا التشكل وقع التكريم الإلهي للإنسان.
2- ماذا يقصد الصوفية بالحقيقة المحمدية ؟
يقصدون بها :
• روحه صلى الله عليه وسلم في الفترة الزمنية السابقة على ميلاده سنة 570م. • ثم إنسانيته صلى الله عليه وسلم وهي 63 سنة هجرية إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم في 632 م.
• ثم برزخيته صلى الله عليه وسلم أي اجتماع روحه وجسده بكيفية نجهلها ولكن أقرها الشرع بأحاديث عديدة حول حياته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. وهي الفترة الزمنية الممتدة من وفاته صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة.
• ثم بعثه صلى الله عليه وسلم وشفاعته واستقراره في الفردوس الأعلى.
فعندما يتحدث الصوفية عن سببيته صلى الله عليه وسلم في الخلق فباعتبار روحه لا باعتبار جسده الشريف صلى الله عليه وسلم. ويستعمل الصوفية تجاوزا لفظ “الحقيقة المحمدية” و”سيدنا محمد” صلى الله عليه وسلم و”رسول الله” صلى الله عليه وسلم. وهم يدركون الفرق الاصطلاحي بين هذه الألفاظ. هذا إذا اعتبرنا “الحقيقة المحمدية” إنسانا فردا واحدا كاملا فهو صلى الله عليه وسلم. أما إذا أطلقنا “الحقيقة المحمدية” على المخلوقات أي كل ما سوى الحق تبارك وتعالى فهي كل المخلوقات. وأما إذا أطلقنا “الحقيقة المحمدية” على البشرية أو على الهيئة الاجتماعية فهي البشرية أو الهيئة الاجتماعية في صورة المخلوق المكرم آدم عليه السلام. وله ورد في جوهرة الكمال وصفه صلى الله عليه وسلم بالآدمي. إذ الإنسان محل حمل الأمانة الكونية. “إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان” (الآية).
3- ما هو العلم الذي أبطنه الله عز وجل في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بالأصح في الحقيقة المحمدية ؟
يجيب مولانا الشيخ رضي الله عنه هو العلم بثلاثة أشياء :
• بصفات الله وأسمائه وكمالات ألوهيته.
• بأحوال الكون وأسراره ومنافعه ومضاره.
• بالأحكام الإلهية أمرا ونهيا.
4- يقرر الشيخ رضي الله عنه الفرق بين الوجود وبين الرحمة:
فوجود الخلق متوقف على وجود الحقيقة المحمدية. ورحمة الخلق متوقفة على فيض الحقيقة المحمدية. فالحقيقة المحمدية واسطة في الوجود وفي الرحمة.
ولكي لا يذهب فكر وخيال القارئ إلى فهم خاطئ. يقرر الشيخ رضي الله عنه أن لا تدخل ولا إرادة مستقلة للحقيقة المحمدية. فهي سبب كوني لا غير. فالله هو الفاعل المختار الإله الواحد. لكن سبق في علمه ونفوذ مشيئته أنه لا يقدر خلق شيء إلا به صلى الله عليه وسلم.
5- يوضح الشيخ الفرق بين حضرة الربوبية (الربانية) وحضرة الألوهية:
فحضرة الربوبية منها نشأت الموجودات. ولذا أضيفت الرحمة إليها. (اللهم صل وسلم على عين الرحمة الربانية). فهي حضرة الخلق. أما حضرة الألوهية فهي حضرة الأمر. أصل عبادة الموجودات. يقول الله عز وجل “ألا له الخلق والأمر”. والأسماء الإلهية هي مختلفة باختلاف الحضرتين. فحضرة الألوهية نجد فيها أسماء الغفور الشكور المجيب الصمد المنتقم. وحضرة الربوبية نجد فيها أسماء المالك الخالق الرزاق.
6- يوضح الشيخ رضي الله عنه أن الأشياء المقدرة في العلم الإلهي قسمان:
• “أعيان ثابتة” سبق العلم الإلهي أنها تخرج من العدم إلى الوجود (في زمن معين ومكان معين، وحكم معين ضرا ونفعا).
• و”أعيان عدمية” تبقى في طي العدم.
فهو صلى الله عليه وسلم نور هذه الأكوان المتكونة التي تخرج إلى الوجود. أي قسم الأعيان الثابتة. فخروجها إلى الوجود هو تكونها أي صيرورتها كونا.
7- يوضح الشيخ رضي الله عنه أن لفظ الحق يطلق على معنيين:
• إطلاق ذاتي : فالحق هو الله عز وجل.
• إطلاق صفة الذات : وهي العدل الإلهي. ويعرف بنفوذ القدرة الإلهية وفقا للإرادة الإلهية والعلم الأزليين.
فقولنا “اللهم صل وسلم على عين الحق” لا يراد به المعنى الأول. فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس عين الذات المقدسة. فالله إله والنبي عبد. والله خالق والنبي مخلوق. ولا مناسبة بين الخالق والمخلوق. فلا يراد إلا المعنى الثاني. وهو أنه صلى الله عليه وسلم مقر بالعدل الإلهي (1) ومفوض أمره إلى الله (2) ومطبق لهذا العدل الإلهي في الأرض (3). وقولته صلى الله عليه وسلم الشهيرة “والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أدع هذا الأمر لا أدعه أو أهلك دونه” أو كما قال صلى الله عليه وسلم إشارة إلى هذا المعنى.
8- يوضح الشيخ رضي الله عنه معنيين للعرش:
ويقرر أنهما معا ينطبقان على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالعرش محيط بما في جوفه (1) والعرش هو غاية العلو والشرف (2). فهو صلى الله عليه وسلم منطو على ما لا غاية له من العلوم والمعارف والأسرار والفيوض والمواهب. وهو صلى الله عليه وسلم لذلك في غاية الشرف والعلو والرفعة. ففي الحديث “أن الوسيلة مقام لا ينبغي إلا لرجل واحد وهو مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وهذا عرش من العروش وهكذا نفهم قولنا” الذي تتجلى منها عروش الحقائق”.
9- يبين الشيخ رضي الله عنه معنيين للأقوم:
معنى الاستقامة الذاتية (1) ومعنى كمال إقامة أمر الله وتوفية القيام بحقوق الله (2). والمعنيان ينطبقان على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو أكمل الخلق قياما بآداب الحضرة الإلهية علما وعملا وحالا وذوقا ومنازلة وتخلقا وتعلقا. فاسمه صلى الله عليه وسلم أحمد. ويقرر الشيخ رضي الله عنه المراد بالأسقم المعنى الأول أي الكامل في الاستقامة بلا اعوجاج.
10- يتوقف الشيخ رضي الله عنه عند طلعة الحق بالحق ليستخلص ثلاث معاني:
• معنى أولا : هو أن الحق الأول والثاني هو الله تعالى. فتكون طلعة الحق بالحق أي تجلي الذات الإلهية بالذات الإلهية أي بلا واسطة. وهذا كما هو مقرر عند الصوفية هو التجلي (أي المظهر) الأول الخاص بالحقيقة المحمدية باعتبارها أول مخلوق. فليست هناك وساطة في التجلي بين الحق وبين الحقيقة المحمدية فتجلى الذات الإلهية في الحقيقة المحمدية مباشر بخلاف تجليها في الخلق.
• معنى ثانيا : التجلي العام لكل المخلوقات. فالحقيقة المحمدية هي محل تجلي الأسماء والصفات الإلهية.
• معنى ثالثا : للباء في بالحق أي من حيث كون رسول الله صلى الله عليه وسلم رباني الإعداد والتجلي. فالله أعده لتقبل التجلي الإلهي. فكان مظهرا وطلعة بالله لا بنفسه.
11 – ويقرر الشيخ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كنز أعظم
قولنا في الجوهرة “الكنز الأعظم” من وجهين. فهو صلى الله عليه وسلم جامع للأسرار والعلوم والمعارف فبجمعيته هذه صار كنزا أعظم . ثم إن فائدة الكنز تحصيل المطالب والمنافع منه . فهو صلى الله عليه وسلم تستفاد منه وبه جميع المطالب والمنح. فهو صاحب الدين وهو صاحب الشفاعة وبه يتوسل إلى الله صلى الله عليه وسلم. فمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم كنز وحبه كنز وإتباعه كنز.
12- يوضح الشيخ رضي الله عنه أن سر الألوهية قسمان
• قسم استبد الله بعلمه لا يطلع عليه غيره.
• وقسم أطلع الله عليه ما شاء من خلقه. وهذا القسم الثاني أحاط به صلى الله عليه وسلم علما وذوقا ثم تفرق في الخلق. وهو قولنا “إحاطة النور المطلسم”. وقد أشهد الله نبيه صلى الله عليه وسلم هذا النور دفعة واحدة.
13- ثم قرر الشيخ رضي الله عنه أن كل هذه الخصائص التي تميز بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حيلة له صلى الله عليه وسلم في الاختصاص بها:
إذ ليس له من الأمر شيء وإنما هي فيض وإفاضة من الله جل كرمه وثناؤه.وهو قولنا “إفاضتك منك إليك”. فالله بمحض كرمه خلق سيدنا محمدا وأفاض عليه من تكريمه وخلع عليه من ألبسة التمجيد ما هو عليه صلى الله عليه وسلم. لا يسأل سبحانه عما يفعل.
14 – يوضح الشيخ رضي الله عنه بشكل فريد حقيقة صلاة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم:
يقول رضي الله عنه “إن الصلاة منا ألفاظ بارزة من ألسنتنا بالدعاء والتضرع إلى الله فيما ينبئ عن تعظيم نبيه منا. وهي من الملائكة كذلك كشأنها منا. شيء يتعقل. لكن صلاة الله على رسوله صلى الله عليه وسلم غير هذا. فهي وصف قائم بذاته تعالى على الحد اللائق بعظمته. وهو أمر فوق الإدراك والتعقل. فالله سبحانه تقدس وتعالى لا يصلي على نبيه سيدنا محمد بلفظ إني أصلي على عبدي محمد.
فاختصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الخصائص وتكريم الله له وإفاضته عليه في كل لحظة وآونة من لحظة وجوده إلى أبد الآبدين هو عين صلاة الله عليه. وهذا معنى قول الشيخ “الصلاة وصف قائم بذاته تعالى كالرحمة وكالرأفة وكالرزق” الخ. فما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عين صلاة الله عليه. واعتقادنا معشر التجانيين بأن الله صلى على رسوله صلى الله عليه وسلم بصلاة الفاتح أي جعله صلى الله عليه وسلم فاتحا وخاتما وناصرا وهاديا.
15- ثم يبين الشيخ رضي الله عنه أن منتهى ما يطمح إليه العارفون والأولياء:
هو أن يعرفهم الله عز وجل بحقيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قولنا “صلاة تعرفنا بها إياه”.
16- ثم ينهي الشيخ رضي الله عنه شرحه بمبحث في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق الفاسق:
يبين الشيخ رضي الله عنه أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق الفاسق أنفع له من تلاوة القرءان. لأن القرءان مرتبته النبوة التي تقتضي الطهارة والصفاء وتوفية الآداب المرضية. وهي غير متوفرة في الفاسق (أي غير التائب). بينما الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبولة قطعا لا من حيثية العبد بل من حيثية شدة العناية منه سبحانه بنبيه صلى الله عليه وسلم (أي لا شروط لقبولها).
هنا تنتهي جولتنا المباركة مع شرح مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه لجوهرة الكمال وأرجو من الله أن أكون قد وفقت في عرضه. وإني على يقين أن الفقير التجاني بعدما استمع إلى هذا الشرح سيكون له تذوق وتلذذ وتفكر وإحساس جديد وهو يذكر جوهرة الكمال. ستتراءى له خصائص النبي صلى الله عليه وسلم العشرة : سببية الإيجاد، العلم، الرحمة، الحق، العدل، الصراط، المجلى، السر، الصلاة، الإفاضة على الخلق. وستزول تلك الوحشة التي كانت تنتابه عند ذكره الجوهرة وقد استغلقت عليه ألفاظها ومعانيها. فهاهي الآن جلية واضحة قطوفها دانية بيد مولانا الشيخ رضي الله عنه. فاقطفها يا أخي وليهنأ لك المساغ بنعمة ربك عليك.
وفي الختام أنبه على أني كلما اشتغلت على جواهر المعاني أزيد إكبارا وإعجابا وافتخارا بمولانا الشيخ رضي الله عنه لأني أفهم ما يقول رضي الله عنه وما يقرره. وإني لأجد لذة حقيقية محسوسة فقط بفهمي لأقوال الشيخ رضي الله عنه. فما بالك بمن يشهد ويتحقق بهذه المعاني في نفسه ويعيشها.
فالله أسأل ألا يحرمنا من درك مقام المعرفة وأن يجزي عنا شيخنا وإمامنا مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه أعظم الجزاء ويجزي عني رجال سندي الكامل المبارك سيدي محمد الغالي وسيدي محمد اكنسوس وسيدي الحسين الافراني وسيدي الأحسن البعقيلي وأستاذي ووالدي سيدي محمد الحبيب البعقيلي رضي الله عنهم وأجزل لهم العطاء. ويا حبذا لو تنظم ندوات للمناقشة وتبادل الآراء وتصحيح مفاهيم الطريقة والتصوف.اه
محمد ساخو التجاني أغناه الله تعالى به