شروط الخلوة

0
1184

zawiyya sidi ahmed tidjani
سأل الحاج بو غرارة المكراري الفوقاني سيدنا رضي الله عنه عن شروط الخلوة، فأجابه رضي الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم إلى حبيبنا سيدي بو غرارة المكراري بعد السلام عليك و رحمة الله تعالى و بركاته فإنك كتبت تسألني عن شروط الرياضة و سلوك طريق المعرفة بالاسم الأعظم فاعلم أن شروط الرياضة التي لا بد منها و تفسد باختلال واحد منها الأول توبة نصوح عن كل منهي عنه. الثاني حصر القلب عن جميع الخواطر و الاشغال فإنك لا تقدر على الشرط الأول وهلة و لكن قم حارسا على قلبك، مهما أراد أن يذهب للتفكر في المحسوسات المعتادات رددته و هكذا حتى يعتاد الخلف عن صور المحسوسات. الثالث مكان تغيب فيه عن ملاقاة الخلق جملة و تفصيلا إلا شيخا واحدا يتكلف لك بالمؤونة. الرابع صمت دائم إلا بذكر.

الشرط الخامس جوع دائم تدريجا بأن تكون تأكل في ليلتك الأولى معتادك من الأكل ثم تنقص كل ليلة قدرا معلوما نحو درهم و ليكون أكلك في الليلة الأولى قدر رطل و ثلثين ثم في كل ليلة تنقص درهما دائما و قدر ميزان الرطل مائة و اثنان و تسعون درهما. السادس ترك أكل ما يخرج من الروح الحيواني جملة و تفصيلا. السابع دوام الصوم. الثامن دوام الطهارة حتى لا تجلس دون طهر ساعة واحدة و لا تنام دون طهر. التاسع تقليل المنام إلا لقدر الضرورة. العاشر اتخاذ أوقات للذكر و باقي ذلك للراحة بأن يتخذ بين الليل و النهار ستة أوقات للذكر يذكر في كل وقت عددا معلوما و هي بعد الصبح و وقت الضحى و بعد الظهر و العصر و المغرب و في جوف الليل بعد النوم و ليكن في اليوم الأول تجعل وردا من الذكر في كل وقت قدر ما لا يشق على النفس و لا تزال حتى تصل إلى استغراق الليل و النهار في الذكر و من أكيد الشروط في الرياضة دوام العطش و لا يشرب حتى يصبر كثيرا فإنهم اتفقوا على أن العطش شهوة كاذبة متى صبر الانسان عنها نسيت ووقع بها صفاء عظيم في القلب و متى أهملت قل أثر الصفاء في القلب.

و من شروطها كذلك ترك كل حاجة خارجة عن الرياضة مثل احتياج أهله إلى قوت و ما أشبه ذلك و من أكيد الشروط فيها معاملة الله عز و جل بالعبودية المحضة لوجهه و مجاهدة النفس لأجله و الاعراض عن كل ما سواه بأن يقصد بذلك إقامة حقوق الربوبية فلا بد للرياضة من هذه الشروط و من أكيد الشروط أيضا الحرص على استماع القلب إلى الذكر وقت الذكر مهما انصرف إلى غير ذلك رده بقدر طاقته حتى يعتاده فإن حافظت على هذه الشروط بتمامها حتى تبلغ أربعين يوما يقع في قلبك صفاء عظيم تتقوى به على قهر الروحانية إن أردت التصرف بهم و على جذب أسرار الأسماء إن أردت التصرف بها و يقع في قلبك حضور عظيم عند الذكر يسرع لك بانصباب أنوار الأذكار في قلبك و من هنا يصح لك ابتداء السلوك إلى حضرة مالك الملوك فعليك حينئذ بحفظ الشروط المتقدمة و دوام الخلوات و الاستغراق في الذكر أي ذكر كان فإنك حين تبلغ أربعين يوما أخرى تجد في قلبك نورا يجذبك إلى النهوض إلى الله بقطع كل عائق يعوقك عن النهوض إلى الله فإذا اختليت أربعين يوما أخرى على حفظ ما تقدم مع الاستغراق في الذكر تمكن الصفاء الروحاني في قلبك و قربت من الاتصاف بصفة الملائكة و سمعت الخطاب في قلبك من الغيب فإن زدت أربعين يوما أخرى طلعت لك ناصية التوحيد الفعلي و ترى أفعال الله السارية في الوجود و ترى الكون كله لا حركة له و ترى يد القدرة الأزلية تحركه عيانا لا اعتقادا و من هنا استعد للدخول لحضرة الله و حينئذ تحتاج للشيخ المربي الذي تدخل به إلى حضرة المعرفة بالله و لا مطمع لك إلى المعرفة بدونه لكثرة ما في هذا المقام و ما بعده من المهالك و القواطع و السباسب الملتفة.

أما من سلك إلى الحضرة الكبرى وحده دون الشيخ المربي بعد بلوغه إلى هذا المقام الذي وصفته لك و هو مقام تجلي أفعال القدرة الأزلية عيانا و استبد بعد ذلك بنظرة دون الشيخ فإنه يقع في الخسران العظيم و خسر الدنيا و الآخرة لكثرة المهالك و الأغاليط فإذا وصلت إلى هاهنا فائتني حينئذ و الق نفسك الي و قبل هذا لا عليك و لكن بقي شرط من شروط الرياضة لا بد منه و هو ترك الجماع في طول الأربعين لكن يتعلق به حق الزوجة فليؤده مرة واحدة بعد فراغه من اربعين أو مرتين و بعد سلوك التوحيد الفعلي إن أدمت السلوك و الخلوات مع مصاحبة الشيخ المربي تدخل حضرة مشاهدة الصفات الأزلية القائمة بالذات و بهذا الشهود تذهل عن جميع الأكوان لأنك تعلم من نفسك أنك غائب عن جميع الأكوان بما بان لك من شهود الصفات الأزلية فإن أدمت السلوك حتى تمكن الشهود الوصفي و صاحبت الشيخ المربي طلع لك شهود الذات العظيمة المقدسة و هذا الشهود يغنيك عن كل شيء حتى عن نفسك و حتى عن الشهود و حتى عن شهود بقيتك و من هاهنا أنت في يد الله عز و جل جلاله و في يد الشيخ المربي و بعده تنتقل إلى الصحو و الحضور مع هذا الشهود و هذا مقام المعرفة إن أراد الله انتقالك و الله الموفق و كتب على عجل أحمد بن محمد التجاني نسبا تاب الله عليه (ج أحمد بن العياشي سكيرج، رفع النقاب بعد كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الاصحاب، الربع 1، ص227-228-229-230).