الإنابة والقيام في رمضان: لحضرة الشيخ عباس فاضل الحسني: –
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الحنان المنان، والصّلاة والسّلام على النبي الأميّ المصطفى العدنان، وعلى آل بيت النبيّ الأطهار، وأصحاب رسول الله الاتقياء الكرام، وتابعيهم بإحسان إلى يوم التناد ـ رضي الله تعالى عليهم أجمعين.
أمّا بعدُ: فقد قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ((من قام رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ)). “إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا” أي: عزيمةً وسروراً؛ وإن طالت قراءتها، اوكثرت ركعاتها؛ ألا وهي التراويح.
“أي إخوتي”: يمتاز شهر رمضان المبارك بمزايا جمة، فمنها قيام لياليه المعبر عنه بالتراويح، فهي ركعات تقام بعد صلاة العشاء في ليالي رمضان، فأجمعت الأمة على سنيتها ولم يختلف فيها أحد ممن يعتد بخلافه، ولكن اختلفوا في عدد ركعاتها ويشتد الخلاف حيناً بعد حين، فجماعة تصلّي ثماني ركعات، وأخرى عشرين، وأصحاب الثمانية ينكرون على أصحاب العشرين بأن ما زاد على الثمانية بدعةٌ لا أصل لها في الشرع، وأصحاب العشرين ينكرون على أصحاب الثمانية، بأنهم لا يميزون بين ما له أصل في الدين، وما ليس له أصل، وبأنهم خالفوا عموم الصحابة ،وإجماع الأمة.
فإليك آراء العلماء الأعلام مع أدلتهم حول ماهية المشروع من ركعات التراويح.
“أي سادة”: أول من صلّى التراويح في جماعة إمام المتقين، ومقتدى الصالحين، وقرة عين المصلين؛ محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم؛ روى الإمام البخاري في “صحيحه” بسنده ((عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً من جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى في الْمَسْجِدِ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاتِهِ، فَأَصْبَحَ الناس فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ منهم فَصَلَّى فَصَلَّوْا معه، فَأَصْبَحَ الناس فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ من اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رسول اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلاتِهِ، فلما كانت اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عن أَهْلِهِ، حتى خَرَجَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ على الناس، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قال: “أَمَّا بَعْدُ، فإنه لم يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تفرض عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عنها” فَتُوُفِّيَ رسول اللَّه ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وَالأَمْرُ على ذلك)). أي على ترك الجماعة في التراويح، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذلكَ في خَلاَفةِ أبي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خَلاَفَةِ عُمَرَ.
فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، لم يصل التراويح إلاّ في ثلاث لياليَ، وهي ليلة ثلاث وعشرين وخمسة وعشرين وسبعة وعشرين من رمضان حسب الرواية التي مضت وغيرها من الروايات الكثيرة، وهدانا الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، إلى علة ترك الجماعة في التراويح بقية الليالي، وهي مخافة الوجوب على الأُمة لو واظب عليها، فبعد وفاته ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لم تبق تلك العلة ومعلوم من قواعد الأُصول: (أن مدار الحكم مع العلة وجوداً وعدماً) ، فلهذا ندب الفاروق عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ إلى إقامة الجماعة للتراويح جميع ليالي رمضان، وأجمعت الأُمة الإسلامية منذ ذلك العصر إلى عصرنا الحاضر على ما نشاهدها في ذلك.
ففي البخاري ((عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ القارىء، أَنَّهُ قال: خَرَجْتُ مع عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَيْلَةً في رَمَضَانَ إلى الْمَسْجِدِ، فإذا الناس أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فقال عُمَرُ: إني أَرَى لو جَمَعْتُ هَؤُلاءِ على قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ على أُبَيِّ بن كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ معه لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ، قال عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هذه)).
فثبتت بهذه الأدلة سنية أصل التراويح والجماعة فيها، وبقى علينا بيان كيفية أدائها من حيث عدد ركعاتها، فنقول وبالله التوفيق: اختلف الفقهاء في عدد ركعات التراويح قديماً وحديثاً فالإمام مالك يروي في موطئه: (عَنِ السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّهُ قال: أَمَرَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أُبَيَّ بن كَعْبٍ وَتَمِيماً الدَّاريَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، قال: وقد كان الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ، حتى كنا نَعْتَمِدُ على العصي من طُولِ الْقِيَامِ، وما كنا نَنْصَرِفُ إِلاَّ في فُرُوعِ الْفَجْرِ). فلهذه الرواية أختار مالك لنفسه إحدى عشرة ركعة، ثمانية لقيام رمضان وثلاثة للوتر، وفي رواية أخرى للإمام مالك: (عن يَزِيدَ بن رُومَانَ أَنَّهُ قال كان الناس يَقُومُونَ في زَمَانِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ في رَمَضَانَ بِثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً). وبما رواه ابن خزيمة وابن حِبّان من حديث جابر (صلّى بنا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، في رمضان ثماني ركعات ثم أوتر).
وبما رواه البخاري عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ ـ رضي الله عنها ـ كَيْفَ كانت صَلاةُ رسول اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، في رَمَضَانَ؟ فقالت: ما كان يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولا في غَيْرِهِ على إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثاً،فقلت: يارَسُولَ اللَّهِ،أَتَنَامُ قبل أَنْ تُوتِرَ؟قال:((يا عَائِشَةُ،إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ ولايَنَامُ قَلْبِي)).
وأما أدلة المثبتين للعشرين ركعة فهي ما يلي: قال الإمام الترمذي: (وأكثر أهل العلم على ما روي عن علي وعمر وغيرهما من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ـ عشرين ركعة، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي، وقال الشافعي: وهكذا ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة.
وفي “تحفة الأحوذي”: (أخرج البيهقي في “سننه” وابن أبي شيبة عن أبي الحسناء؛ أن عَليَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ـ رضي الله عنه ـ أَمَرَ رَجُلاً أنْ يُصَلِّيَ بالنَّاسِ خَمْسَ تَروْيِحَاتٍ عِشْرِينَ رَكْعَةً) ، وأخرج أبو بكر بن شيبة في “مصنفه” عن عبد العزيز بن رُفَيْع قال: (كان أُبَيّ بن كَعْبٍ: يُصَلِّي بِالنَّاسِ في رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ عِشْرِينَ رَكْعَةً، وَيُوتِرُ بِثَلاثٍ). وروى ابن أبي شيبة في “مصنفه” والطبراني وعنه البيهقي بسندهم (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْريِنَ رَكْعَةً سِوَى الْوَتْرِ) ، وبما روى البيهقي في “سننه” (عن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه، في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرؤون بالمئين وكانوا يتوكؤن على عصيهم في عهد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه، من شده القيام) ، قال النووي في “الخلاصة”: إسناده صحيح.
قال الإمام النووي في “أذكاره”: اعلم أن صلاة التراويح سنة باتفاق العلماء، وهي عشرون ركعة يسلم من كل ركعتين، وصفة نفس الصلاة كصفة باقي الصلوات.
قال في “العناية شرح الهداية” من معتمد كتب الحنفية: (روي أنَّهُ ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ وَصَلَّى عِشْرِينَ رَكْعَةً، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ اجْتَمَعَ النَّاسُ فَخَرَجَ وَصَلَّى بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ كَثُرَ النَّاسُ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَقَالَ: “عَرَفْت اجْتِمَاعَكُمْ لَكِنِّي خَشِيت أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ”، فَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَهَا فُرَادَى إلَى زَمَنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنه، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي أَرَى أَنْ أَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلَّى بِهِمْ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ عِشْرِينَ رَكْعَةً.
أما ابن قدامة المقدسي الحنبلي، فقد قال في كتابه القيم “المغني”: (والمختار عند أبي عبد الله “يريد به الإمام أحمد صاحب المذهب المعروف” فيها”أي في ركعات التراويح” عشرون ركعة، وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: ستة وثلاثون وزعم أنه الأمر القديم وتعلق بفعل أهل المدينة، فإن صالحاً مولى التوأمة قال: أدركت الناس يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس، ولنا إن عمر ـ رضي الله عنه، لما جمع الناس على أبي بن كعب، كان يصلي لهم عشرين ركعة، وروى مالك عن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، وعن عليّ رضي الله عنه أنه أمر رجلا يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة وهذا كالإجماع، فأما ما رواه صالح فإن صالحاً ضعيف ثم لا ندري من الناس الذين أخبر عنهم؟ فلعله قد أدرك جماعة من الناس يفعلون ذلك وليس ذلك بحجة، ثم لو ثبت أن أهل المدينة كلهم فعلوه لكان ما فعله عمر وأجمع عليه الصحابة في عصره أولى بالإتباع).
قال القاضي زكريا الأنصاري: وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ في كل لَيْلَةٍ من رَمَضَانَ لما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: (أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ على عَهْدِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ ـ رضي الله عنه، في شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً، وَرَوَى مَالِكٌ في الْمُوَطَّأ بِثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوتِرُونَ بِثَلاثٍ).
قال الشيخ ابن تيمية في “الفتاوى”، (3/479):- أن نفس قيام رمضان لم يؤقت النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فيه عدداً معيناً، بل كان هو ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم “لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة”، لكن كان يُطيل الركعات، “فلما جمعهم عمر على أُبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث”، وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من الركعات؛ لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة؛ ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ فكيفما قام بهم في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين؛ فإن كان فيهم احتمال لطول القيام فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النبي ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين؛ فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يكره شيء من ذلك؛ وقد نَصّ على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره، ومن ظنَّ أن قيام رمضان فيه عدَدٌ مؤقت عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ـ لا يُزادُ فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ، فإذا كانت هذه السعة في نفس عدد القيام، فكيف الظن بزيادة القيام لأجل دعاء القنوت أو تركه، كل ذلك سائغ حسن، وقد ينشط الرجل فيكون الأفضل في حقه تطويل العبادة، وقد لا ينشط فيكون الأفضل في حقه تخفيفها، وكانت صلاة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ـ معتدلة: إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود، هكذا كان يفعل في المكتوبات، وقيام الليل، وصلاة الكسوف وغير ذلك.
ومنهم من استدل على أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة التراويح هي ثمان ركعات ولا مزيد عليها بالسنة العملية التي أخرجها أئمة الحديث البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابي سلمة بن عبد الرحمن أنه (( سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان )) فقالت: ((ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي اربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً… )) قال شيخي وسندي في علوم الكتاب والسنة العلامة الدكتور عبد الله بن مصطفى كمال الدين الهرشمي – طيب الله روحهما وذكرهما وثراهما- في معالم الطريق ” ص145-146″ قال: هذه سنة ثابتة روايتها صحيحة ، لكن لا علاقة بين ما روي منها وبين صلاة التراويح على الإطلاق فأمّ المؤمنين قد صرحت بأن ما روت هي صلاة الرسول في رمضان وفي غير رمضان، ولا يخفى أن صلاة التراويح مخصوصة برمضان، وليست تصلى في غيره من أشهر العام؛ وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما صلى قط التراويح إلا في الثلاث الليالي التي فيها صلى بالناس صلاتها في المسجد ثم تركها تركاً نهائياً مخافة أن تفرض على المسلمين، ثم ذهب الخوف بانتهاء الوحي فاحيا أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب تلك السنة ، فصلاها أصحاب النبي- صلى الله وسلم عليه وعلى آله واصحابه- عشرين ركعة يؤمهم أبيّ بن كعب. فاجتماع الأصحاب على عشرين ركعة دليل قاطع على أن النبي كان قد صلى بهم عشرين في تلكموا الليالي الثلاث الغابرات، فإنهم إنما صلوا مثلما صلى النبي، وما شرعوا من عندهم شيئاً جديداً. ولهذا قال سيدنا عمر عندئذ: ((نعمت البدعة هذه)) أي نعمت الصلاة التي كانت جديدة التشريع على عهد النبي وتركت وهي جديدة، كما تقدم . وههنا البدعة بمعنى السنة الحسنة الجديدة .
وإن الأربعة من مذاهب أهل الجماعة على العشرين لركعات التراويح . لكنا نكتفي بنقل ما في مصادر السادة الحنابلة .
ففي شرح “زاد المستقنع”(ص 69 ـ 70) ما يلي نصه:-
والتراويح سنة مؤكدة … عشرون ركعة؛ لما روى أبو بكر عبد العزيز في “الشافي” عن ابن عباس أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، كان يصلي في شهر رمضان عشرين ركعة تفعل ركعتين ركعتين في جماعة مع الوتر بالمسجد أول الليل بعد العشاء… في رمضان؛ لما روي في الصحيحين من حديث عائشة أنه ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، صلاها ليالي فصلوها معه ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر وقال: “إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. وفي البخاري أن عمر جمع الناس على أبيّ ابن كعب فصلّى بهم التراويح. وروى أحمد وصححه الترمذي: “من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة”.
“أي إخوتي”: إذاً: الفرق بين ما يحصل به القيام، وما فيه كمال القيام؛ كما قال الله تعالى: ((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ)).
اللهم سلمنا الى رمضان، وسلم رمضان لنا ، واستلمه منا قبولاً حسنا، وارحم امة الإسلام واحفظها وانصرها، واخزي اعدائنا وأعداء الأمة، واعلِ كلمة الحق والنور يارب العالمين .
اللهم يا محول الحول والأحوال حولنا وبلدنا وبلاد المسلمين من حال الى احسن الاحوال بفضل رحمتك وتوفيقك يا ارحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين، يا الله.
ربنا انت الذي انعمت انت الذي هديت فزدنا ولا تنقصنا اختم حياتنا عليك وامتنا على كمال الحب والإيمان، يا الله .
((رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)).
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الحنان المنان، والصّلاة والسّلام على النبي الأميّ المصطفى العدنان، وعلى آل بيت النبيّ الأطهار، وأصحاب رسول الله الاتقياء الكرام، وتابعيهم بإحسان إلى يوم التناد ـ رضي الله تعالى عليهم أجمعين.
أمّا بعدُ: فقد قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ((من قام رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ)). “إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا” أي: عزيمةً وسروراً؛ وإن طالت قراءتها، اوكثرت ركعاتها؛ ألا وهي التراويح.
“أي إخوتي”: يمتاز شهر رمضان المبارك بمزايا جمة، فمنها قيام لياليه المعبر عنه بالتراويح، فهي ركعات تقام بعد صلاة العشاء في ليالي رمضان، فأجمعت الأمة على سنيتها ولم يختلف فيها أحد ممن يعتد بخلافه، ولكن اختلفوا في عدد ركعاتها ويشتد الخلاف حيناً بعد حين، فجماعة تصلّي ثماني ركعات، وأخرى عشرين، وأصحاب الثمانية ينكرون على أصحاب العشرين بأن ما زاد على الثمانية بدعةٌ لا أصل لها في الشرع، وأصحاب العشرين ينكرون على أصحاب الثمانية، بأنهم لا يميزون بين ما له أصل في الدين، وما ليس له أصل، وبأنهم خالفوا عموم الصحابة ،وإجماع الأمة.
فإليك آراء العلماء الأعلام مع أدلتهم حول ماهية المشروع من ركعات التراويح.
“أي سادة”: أول من صلّى التراويح في جماعة إمام المتقين، ومقتدى الصالحين، وقرة عين المصلين؛ محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم؛ روى الإمام البخاري في “صحيحه” بسنده ((عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً من جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى في الْمَسْجِدِ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاتِهِ، فَأَصْبَحَ الناس فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ منهم فَصَلَّى فَصَلَّوْا معه، فَأَصْبَحَ الناس فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ من اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رسول اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلاتِهِ، فلما كانت اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عن أَهْلِهِ، حتى خَرَجَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ على الناس، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قال: “أَمَّا بَعْدُ، فإنه لم يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تفرض عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عنها” فَتُوُفِّيَ رسول اللَّه ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وَالأَمْرُ على ذلك)). أي على ترك الجماعة في التراويح، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذلكَ في خَلاَفةِ أبي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خَلاَفَةِ عُمَرَ.
فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، لم يصل التراويح إلاّ في ثلاث لياليَ، وهي ليلة ثلاث وعشرين وخمسة وعشرين وسبعة وعشرين من رمضان حسب الرواية التي مضت وغيرها من الروايات الكثيرة، وهدانا الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، إلى علة ترك الجماعة في التراويح بقية الليالي، وهي مخافة الوجوب على الأُمة لو واظب عليها، فبعد وفاته ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لم تبق تلك العلة ومعلوم من قواعد الأُصول: (أن مدار الحكم مع العلة وجوداً وعدماً) ، فلهذا ندب الفاروق عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ إلى إقامة الجماعة للتراويح جميع ليالي رمضان، وأجمعت الأُمة الإسلامية منذ ذلك العصر إلى عصرنا الحاضر على ما نشاهدها في ذلك.
ففي البخاري ((عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ القارىء، أَنَّهُ قال: خَرَجْتُ مع عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَيْلَةً في رَمَضَانَ إلى الْمَسْجِدِ، فإذا الناس أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فقال عُمَرُ: إني أَرَى لو جَمَعْتُ هَؤُلاءِ على قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ على أُبَيِّ بن كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ معه لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ، قال عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هذه)).
فثبتت بهذه الأدلة سنية أصل التراويح والجماعة فيها، وبقى علينا بيان كيفية أدائها من حيث عدد ركعاتها، فنقول وبالله التوفيق: اختلف الفقهاء في عدد ركعات التراويح قديماً وحديثاً فالإمام مالك يروي في موطئه: (عَنِ السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّهُ قال: أَمَرَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أُبَيَّ بن كَعْبٍ وَتَمِيماً الدَّاريَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، قال: وقد كان الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ، حتى كنا نَعْتَمِدُ على العصي من طُولِ الْقِيَامِ، وما كنا نَنْصَرِفُ إِلاَّ في فُرُوعِ الْفَجْرِ). فلهذه الرواية أختار مالك لنفسه إحدى عشرة ركعة، ثمانية لقيام رمضان وثلاثة للوتر، وفي رواية أخرى للإمام مالك: (عن يَزِيدَ بن رُومَانَ أَنَّهُ قال كان الناس يَقُومُونَ في زَمَانِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ في رَمَضَانَ بِثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً). وبما رواه ابن خزيمة وابن حِبّان من حديث جابر (صلّى بنا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، في رمضان ثماني ركعات ثم أوتر).
وبما رواه البخاري عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ ـ رضي الله عنها ـ كَيْفَ كانت صَلاةُ رسول اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، في رَمَضَانَ؟ فقالت: ما كان يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولا في غَيْرِهِ على إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثاً،فقلت: يارَسُولَ اللَّهِ،أَتَنَامُ قبل أَنْ تُوتِرَ؟قال:((يا عَائِشَةُ،إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ ولايَنَامُ قَلْبِي)).
وأما أدلة المثبتين للعشرين ركعة فهي ما يلي: قال الإمام الترمذي: (وأكثر أهل العلم على ما روي عن علي وعمر وغيرهما من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ـ عشرين ركعة، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي، وقال الشافعي: وهكذا ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة.
وفي “تحفة الأحوذي”: (أخرج البيهقي في “سننه” وابن أبي شيبة عن أبي الحسناء؛ أن عَليَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ـ رضي الله عنه ـ أَمَرَ رَجُلاً أنْ يُصَلِّيَ بالنَّاسِ خَمْسَ تَروْيِحَاتٍ عِشْرِينَ رَكْعَةً) ، وأخرج أبو بكر بن شيبة في “مصنفه” عن عبد العزيز بن رُفَيْع قال: (كان أُبَيّ بن كَعْبٍ: يُصَلِّي بِالنَّاسِ في رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ عِشْرِينَ رَكْعَةً، وَيُوتِرُ بِثَلاثٍ). وروى ابن أبي شيبة في “مصنفه” والطبراني وعنه البيهقي بسندهم (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْريِنَ رَكْعَةً سِوَى الْوَتْرِ) ، وبما روى البيهقي في “سننه” (عن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه، في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرؤون بالمئين وكانوا يتوكؤن على عصيهم في عهد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه، من شده القيام) ، قال النووي في “الخلاصة”: إسناده صحيح.
قال الإمام النووي في “أذكاره”: اعلم أن صلاة التراويح سنة باتفاق العلماء، وهي عشرون ركعة يسلم من كل ركعتين، وصفة نفس الصلاة كصفة باقي الصلوات.
قال في “العناية شرح الهداية” من معتمد كتب الحنفية: (روي أنَّهُ ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ وَصَلَّى عِشْرِينَ رَكْعَةً، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ اجْتَمَعَ النَّاسُ فَخَرَجَ وَصَلَّى بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ كَثُرَ النَّاسُ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَقَالَ: “عَرَفْت اجْتِمَاعَكُمْ لَكِنِّي خَشِيت أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ”، فَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَهَا فُرَادَى إلَى زَمَنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنه، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي أَرَى أَنْ أَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلَّى بِهِمْ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ عِشْرِينَ رَكْعَةً.
أما ابن قدامة المقدسي الحنبلي، فقد قال في كتابه القيم “المغني”: (والمختار عند أبي عبد الله “يريد به الإمام أحمد صاحب المذهب المعروف” فيها”أي في ركعات التراويح” عشرون ركعة، وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: ستة وثلاثون وزعم أنه الأمر القديم وتعلق بفعل أهل المدينة، فإن صالحاً مولى التوأمة قال: أدركت الناس يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس، ولنا إن عمر ـ رضي الله عنه، لما جمع الناس على أبي بن كعب، كان يصلي لهم عشرين ركعة، وروى مالك عن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، وعن عليّ رضي الله عنه أنه أمر رجلا يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة وهذا كالإجماع، فأما ما رواه صالح فإن صالحاً ضعيف ثم لا ندري من الناس الذين أخبر عنهم؟ فلعله قد أدرك جماعة من الناس يفعلون ذلك وليس ذلك بحجة، ثم لو ثبت أن أهل المدينة كلهم فعلوه لكان ما فعله عمر وأجمع عليه الصحابة في عصره أولى بالإتباع).
قال القاضي زكريا الأنصاري: وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ في كل لَيْلَةٍ من رَمَضَانَ لما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: (أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ على عَهْدِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ ـ رضي الله عنه، في شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً، وَرَوَى مَالِكٌ في الْمُوَطَّأ بِثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوتِرُونَ بِثَلاثٍ).
قال الشيخ ابن تيمية في “الفتاوى”، (3/479):- أن نفس قيام رمضان لم يؤقت النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فيه عدداً معيناً، بل كان هو ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم “لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة”، لكن كان يُطيل الركعات، “فلما جمعهم عمر على أُبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث”، وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من الركعات؛ لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة؛ ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ فكيفما قام بهم في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين؛ فإن كان فيهم احتمال لطول القيام فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النبي ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين؛ فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يكره شيء من ذلك؛ وقد نَصّ على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره، ومن ظنَّ أن قيام رمضان فيه عدَدٌ مؤقت عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ـ لا يُزادُ فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ، فإذا كانت هذه السعة في نفس عدد القيام، فكيف الظن بزيادة القيام لأجل دعاء القنوت أو تركه، كل ذلك سائغ حسن، وقد ينشط الرجل فيكون الأفضل في حقه تطويل العبادة، وقد لا ينشط فيكون الأفضل في حقه تخفيفها، وكانت صلاة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ـ معتدلة: إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود، هكذا كان يفعل في المكتوبات، وقيام الليل، وصلاة الكسوف وغير ذلك.
ومنهم من استدل على أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة التراويح هي ثمان ركعات ولا مزيد عليها بالسنة العملية التي أخرجها أئمة الحديث البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابي سلمة بن عبد الرحمن أنه (( سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان )) فقالت: ((ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي اربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً… )) قال شيخي وسندي في علوم الكتاب والسنة العلامة الدكتور عبد الله بن مصطفى كمال الدين الهرشمي – طيب الله روحهما وذكرهما وثراهما- في معالم الطريق ” ص145-146″ قال: هذه سنة ثابتة روايتها صحيحة ، لكن لا علاقة بين ما روي منها وبين صلاة التراويح على الإطلاق فأمّ المؤمنين قد صرحت بأن ما روت هي صلاة الرسول في رمضان وفي غير رمضان، ولا يخفى أن صلاة التراويح مخصوصة برمضان، وليست تصلى في غيره من أشهر العام؛ وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما صلى قط التراويح إلا في الثلاث الليالي التي فيها صلى بالناس صلاتها في المسجد ثم تركها تركاً نهائياً مخافة أن تفرض على المسلمين، ثم ذهب الخوف بانتهاء الوحي فاحيا أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب تلك السنة ، فصلاها أصحاب النبي- صلى الله وسلم عليه وعلى آله واصحابه- عشرين ركعة يؤمهم أبيّ بن كعب. فاجتماع الأصحاب على عشرين ركعة دليل قاطع على أن النبي كان قد صلى بهم عشرين في تلكموا الليالي الثلاث الغابرات، فإنهم إنما صلوا مثلما صلى النبي، وما شرعوا من عندهم شيئاً جديداً. ولهذا قال سيدنا عمر عندئذ: ((نعمت البدعة هذه)) أي نعمت الصلاة التي كانت جديدة التشريع على عهد النبي وتركت وهي جديدة، كما تقدم . وههنا البدعة بمعنى السنة الحسنة الجديدة .
وإن الأربعة من مذاهب أهل الجماعة على العشرين لركعات التراويح . لكنا نكتفي بنقل ما في مصادر السادة الحنابلة .
ففي شرح “زاد المستقنع”(ص 69 ـ 70) ما يلي نصه:-
والتراويح سنة مؤكدة … عشرون ركعة؛ لما روى أبو بكر عبد العزيز في “الشافي” عن ابن عباس أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، كان يصلي في شهر رمضان عشرين ركعة تفعل ركعتين ركعتين في جماعة مع الوتر بالمسجد أول الليل بعد العشاء… في رمضان؛ لما روي في الصحيحين من حديث عائشة أنه ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، صلاها ليالي فصلوها معه ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر وقال: “إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. وفي البخاري أن عمر جمع الناس على أبيّ ابن كعب فصلّى بهم التراويح. وروى أحمد وصححه الترمذي: “من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة”.
“أي إخوتي”: إذاً: الفرق بين ما يحصل به القيام، وما فيه كمال القيام؛ كما قال الله تعالى: ((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ)).
اللهم سلمنا الى رمضان، وسلم رمضان لنا ، واستلمه منا قبولاً حسنا، وارحم امة الإسلام واحفظها وانصرها، واخزي اعدائنا وأعداء الأمة، واعلِ كلمة الحق والنور يارب العالمين .
اللهم يا محول الحول والأحوال حولنا وبلدنا وبلاد المسلمين من حال الى احسن الاحوال بفضل رحمتك وتوفيقك يا ارحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين، يا الله.
ربنا انت الذي انعمت انت الذي هديت فزدنا ولا تنقصنا اختم حياتنا عليك وامتنا على كمال الحب والإيمان، يا الله .
((رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)).
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.