يَوْمُ الْوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا …………………أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي

0
927

قد يتعرض الإنسان للظلم وقد يرى الهلاك ويكون في ذلك نجاته..
وقد تحدث له أمور عظام يرى أن جميع الحلقات أطبقت عليه ولكنها في لحظة تنفرج تلك الحلقات بإذن الله
وقد يتصور أنه لن يستطيع الخروج من موقف ما وفجأة يجد يدا حانية تمسك به…

 

وقد … يحزن الإنسان ويتألم أنه تعرض لذلك المصاب ويتلقى الوان الهوان والعذاب ولكن ، قد تكون تلك المصائب بداية السعادة …

 

قد تتسألون كيف …؟؟

 

إذا دعونا نتخيل هذا المشهد وتلك القصة العجيبة :

والآن لنذهب معا ونعود قليلا الى الماضي البعيد .. في تلك البقعة من الأرض الطاهرة (مكة) كان يعيش هناك حي من العرب، وكان لديهم جارية سوداء تقوم على خدمتهم وكانو قد أعتقوها ، فبقيت عندهم لأنه لاحول لها ولاقوة ، وفي يوم من الأيام خرجت صبية لهم الى مغتسل لها وعليها وشاح أحمر ووضعته خارج المغتسل ثم مرت حدياة فحسبته لحما فألتقطتة فلما خرجت الصبية فقدته ولم تجده وشاحها فصاحت بأهلها فبحثوا عنه ولم يجدوه ، واتهموا تلك الجارية بسرقته ، و قاموا بتفتيشها وتهديدها وتعذيبها والبحث عن الوشاح بين خبايا ملابسها،،
وكانت ساعة كرب وشدة أحست فيها بالمهانة والظلم، وضاقت بها الحيل، فليست ذات نسب تعتزي بنسبها، ولا ذات قرابة تستنصر قرابتها، وليس بها قوة فتدفع عن نفسها.
فلم تجد نصيراً تستنصره، ومغيثاً تستغيث به إلا ربها الذي خلقها، ونسيت آلهة قومها وأصنامهم، وتوجهت إلى الله تعالى بأشد ما يكون الاضطرار تدعوه أن يظهر براءتها ويخلصها من كربها. فأجابها الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ، جاء الفرج أسرع مما أملت وألطف مما قدرت.

إذ بحدياة تلقى الوشاح عليهم ، وهكذا ظهرت براءتها ،فأخذوا وشاح إبنتهم…….. و قالت إتهمتموني به وهاهو ذا أمامكم ، وهنا قررت الهجرة من مكة بعد أن اثر فيها هذا الموقف ، ولكن أين تذهب ،،

 

ما في المُقام لذي عقل وذي أدب ،،،،* من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضا عمن تفارقـــه ،،،،* وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
مــا في المقام لذي لب وذي أدب ،،،،* معزة فاترك الأوطـــان واغترب
إني رأيت وقوف المــاء يفسـده ،،،،* إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والبدر لولا أفول منه مــا نظََرت ،،،،* إليـــه في كل حين عين مرتقب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة ،،،،* لملّها الناس من عُجم و عَرب
والاُسد لولا فراق الغاب مااقتنصت ،،،،* والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والتبر كالتبر ملقى في معادنـــه ،،،،* والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرب هـذا عز مطلبـــه ،،،،* وإن أقـــام فلا يعلو إلى الرتب

 

فإتجهت صوب المدينة الى طابة طيبة الطيبة وهناك ذهبت الى النبي صلى الله عليه وسلم وأعلنت إسلامها وسكنت في خباء لها في المسجد فكانت

تنشد بهذة الأبيات

 

يَوْمُ الْوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا
…………………أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي

يَوْمُ الْوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا
…………………أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي

وقد وردت هذه القصة في صحيح البخاري / ج 2

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَكَانَتْ مَعَهُمْ قَالَتْ فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ قَالَتْ فَوَضَعَتْهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ وَهُوَ مُلْقًى فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ قَالَتْ فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ قَالَتْ فَاتَّهَمُونِي بِهِ قَالَتْ فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا قَالَتْ وَاللَّهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ إِذْ مَرَّتْ الْحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ قَالَتْ فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قَالَتْ فَقُلْتُ هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ زَعَمْتُمْ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ وَهُوَ ذَا هُوَ قَالَتْ فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ حِفْشٌ قَالَتْ فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي قَالَتْ فَلَا تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلَّا قَالَتْ

وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ أَعَاجِيبِ رَبِّنَا
أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي

قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لَهَا مَا شَأْنُكِ لَا تَقْعُدِينَ مَعِي مَقْعَدًا إِلَّا قُلْتِ هَذَا قَالَتْ فَحَدَّثَتْنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ

 

وبلفظ أخر في البخاري / ج 12

حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ لِبَعْضِ الْعَرَبِ وَكَانَ لَهَا حِفْشٌ فِي الْمَسْجِدِ قَالَتْ فَكَانَتْ تَأْتِينَا فَتَحَدَّثُ عِنْدَنَا فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَدِيثِهَا قَالَتْ وَيَوْمُ الْوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا
أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي
فَلَمَّا أَكْثَرَتْ قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ وَمَا يَوْمُ الْوِشَاحِ قَالَتْ خَرَجَتْ جُوَيْرِيَةٌ لِبَعْضِ أَهْلِي وَعَلَيْهَا وِشَاحٌ مِنْ أَدَمٍ فَسَقَطَ مِنْهَا فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِ الْحُدَيَّا وَهِيَ تَحْسِبُهُ لَحْمًا فَأَخَذَتْهُ فَاتَّهَمُونِي بِهِ فَعَذَّبُونِي حَتَّى بَلَغَ مِنْ أَمْرِي أَنَّهُمْ طَلَبُوا فِي قُبُلِي فَبَيْنَاهُمْ حَوْلِي وَأَنَا فِي كَرْبِي إِذْ أَقْبَلَتْ الْحُدَيَّا حَتَّى وَازَتْ بِرُءُوسِنَا ثُمَّ أَلْقَتْهُ فَأَخَذُوهُ فَقُلْتُ لَهُمْ هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ

ومن الفوائد المستفادة من هذه القصة والحديث

1- استجابة دعوة المظلوم ولو كان كافراً لأن المرأة لم تسلم إلا بعد قدومها إلى المدينة.ومن هنا يجب أن نتجنب الظلم ولانحكم على الناس بمجرد الإتهام فقط دون التأكد من فعلهم

2- مشروعية الخروج من البلد الذي يحصل للمرء فيه محنة، ولعله يتحول إلى ما هو خير منه، كما وقع لهذه المرأة وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً [النساء:100] إرغاماً لأنف الذين اضطهدوه، وسعةً له في الرزق..

وهنا تذكرت أبيات الشافعي حيث قال

ارحل بنفسك من ارض تضام بها ،،،،* ولاتكن من فراق الاهل فى حرق
فالعنـبر الخام روث فى مواطنـه ،،،،* وفى التغـرب محمول على العنق
والكحل نوع من الاحجار تنظره ،،،،* فى ارضه وهو مرمي على الطرق
لما تغـرب حـاز الفضـل اجمعه ،،،،* فصـار يُحمل بين الجَفن والحَدق

3- الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام.

4- إباحة المبيت والقيلولة في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلاً كان أو امرأة بشرط أمن الفتنة، وإباحة الاستظلال في المسجد بخيمة ونحوها.

5- أن هذه المحنة كانت سببا لنجاة هذه المرأة من الكفر وعرفت ان الذي نصرها واستجاب دعوتها هو الله الذي عادت اليه فطرتها السليمة وأدركت أن الأصنام التى كانوا يعبدونها لاتساوي حفنة من تراب فقررت الهجرة الى مكان لايُعبد فيه الا الله

6- إهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته رضي الله عنهن بالضعفاء والفقراء فكان بيت النبي صلى الله عليه وسلم متنفس لهذه المرأة الضعيفة فكثيرا ما كانت تزور عائشة تؤنسها بالحديث معها

7- هذه المرأة رضى الله عنها كانت تقم المسجد وتخدمه حتى توفاها الله ولم تكن عالة على أحد من المسلمين وحزن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ماتت ولم يخبره أحد بذلك فذهب الى قبرها وصلى عليها فرضي الله عن خادمة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرضاها وصلوات الله وسلامه وبركاته على من بُعث متممًا لمكارم الأخلاق فأتمّها.

ملتقى أهل الحدبث